الأسباب الصغيرة لها غالباً نتائج كبيرة , فـ فقدان المسمار أضاع الحذوة , وفقدان الحذوة أضاع الحصان , وفقدان الحصان أضاع الفارس..
سلوى العضيدان
لم أعد أستيطع القراءة بكل بساطة وشجاعة أعلنها أمام الملأ , لأنني سقطت
بين كومة متعددة من الأحرف التي تختلف بمعانيها عن مفاهيمها وبمفاهيمها عن
منطقها وبمنطقها عن الكيان الثقافي الإسلامي من حولي , فأصبحت أقرأ ما لا
أعلم ! فقط أقرأ ! لما لا أعلم لما أنا أقرأ ؟
تعلمتُ بأن من يقرأ صفحة يصبح أعلم مني بتقدمهِ بهذه القراءة , ولكنني
للأسف لا أعلم لما هو قرأ هذه الصفحة , هل لأنهُ تقدم في مجاله العلمي أو
الأدبي ؟ , أو انهُ بالمثل معي يقاوم ما حولهُ
بالقراءة والتعلم وحتى إن كانت هذه القراءة مجرد ترويح عن النفس أو مصادقة
لأحد الكتب التي لا أعلم عن مفهومها سواء أنها أصبحت بين يدي ويتوجب علي
إنهاء ما بدأته منها بقراءة جميع أحرفها وكلماتها وصفحاتها..
لا تقاس القراءة بإنجاح الإنتهاء من الكتاب الذي بين يدي , ولكنها بقدر ما
أستطعت من إثماره وإمتلاكه من الكم الهائل من المعلومات بداخل هذا الكاتب ,
أتعلمون أمراً آخر , أبحرت مثل البحار الذي لا يعلم إلى أين سوف تحط هذه
الرحالة ! هكذا أبحر بين بحار لا مراسي لها ,
وبين أمواج ترتطم بي بين هنا وهناك باليمين والشمال , بالشرق والغرب ,
بالتحليق والهبوط , وما أنا إلآ غرٌ تلاعبت بهِ نفسهُ للوصول إلى أمور إن
كانت خافية عنه كان الأمر أجمل وأفضل ..
وقفتُ حائراً في أمري بسبب ما يدور حولي من حالة هذيان فكري تغير من حياتي
لحضة بـ لحضة , قد لا يصل إلى ما وصلتُ إليه إلآ مجنوناً هام بهِ الحب , أو
عاشقاً لذع بهِ الفراق , أو مهموماً بات مغموماً من حياته , كم هو جميل
ذلك التخطيط الذي يجعلني أعلم أن هذا الكتاب سيصل بي إلى ما أريد , وكم هو
مؤلماً حقاً ذلك التخبيط الذي يجعلني أعلم أن هذا الكتاب سيصطل بي إلى ما
لا أريد ..
حان الآن وقت القراءة , بدأت بالتركيز , عملت على ما يجول في أعماقي من
صواب سوف أتجهُ إليه , أصميتُ أُذناي , وأبتعدتُ عن كل تلك الكوابيس
والهواجيس , لكي أسير وأستمر بهذه المسيرة .
ولكن فجأة أغلقت الكتاب مسرعاً قرأت ما لا يحتملُ القراءة ممن يسيرون عكس
الإتجاه , ويقهقهون بقهقهة غير إعتيادية , فعلمتُ أن الأمر أكبر من أن
أستمر به , وما أنا إلآ قارئ إن أستمريتُ في المضي هنا سأقهقه يوماً من
الأيام أو سأصبح ممن يحاول إطفاء النار بالنار , ولستُ هنا ممن يخشى النزال
ولكنني أفضّل أن أرى المنطق من زاوية آخرى كالذي يقول ( المهزوم إذا ابتسم , أفقد المنتصر لذة الإنتصار ) ..
أتذكر قصة لـ ابن سينا عندما قرأ كتاب ما وراء الطبيعة لأرسطو فلم يفهم
مافيه فقرأهُ أربعين مرة , فحفظه ولكنهُ لم يفهم أيضاً مافيه , حتى وقع
بيده دون قصد كتاباً للفارابي إشتراه من دلال بسوق الوراقين بثلاثة دراهم ,
فإذا بهذا الكتاب يشرح ما سطره أرسطو في كتابه ما وراء الطبيعة .. وبعدها
فهم ما كان يقصده أرسطو حرفاً حرف ..
لكم أجمل وأرق التحايا لنور تواجدكم المثير ..