قال القرد للغيلم (وهو ذكر السلحفاة الكبيرة): هل سمعت قصة الثعلب عندما زعم أن الحمار ليس له قلبٌ ولا أذنان؟
فسأله الغيلم: كيف هذا؟
قال: زعموا أن أسداً كان في ركنٍ من غابة، ومعه ابن آوى يأكل من فضلات صيده، فأصاب الأسد جربٌ شديدٌ حتى ضعف فلم يعد يستطيع الصيد. فقال له ابن آوى: ما شأنك يا سيد السباع؟ قد تغير حالك وقل صيدك، فأنى ذلك؟ فقال الأسد: ذاك لهذا الجرب الذي ترى، وليس دوائي إلا أن آكل آذني حمارٍ وقلبه.
فقال ابن آوى: قد عرفت ههنا مكان حمار يجيء به قصارٌ إلى مرج قريب منا (والقصار: هو الرجل الذي يعمل غسالاً للثياب في النهر بالأجرة)، يحمل عليه ثيابه التي يغسلها، فإذا وضع عنه الثياب خلاه في المرج. فأنا أرج أن آتيك به ثم أنت أعلم بأذنيه وقلبه. قال الأسد: إن قدرت على ذلك فافعل ولا تؤخرن، فإن الشفاء لي فيه.
فذهب ابن آوى إلى الحمار فقال له: ما هذا الهزال الذي أرى بك: والقروح التي بظهرك؟ قال الحمار: أنا لهذا القصار الخبيث، فهو يسيء علفي ويديم إتعابي ويثقل ظهري. قال ابن آوى: وكيف ترضى بهذا؟ قال: فما أصنع؟ وأين أذهب؟ وكيف أفلت من أيدي الناس؟ قال له ابن آوى: أنا أدلك على مكانٍ منعزلٍ خصيب المرعى، لم يطأه إنسانٌ قط، فيه أتانٌ (أي حمارة) لم ينظر الناس إلى مثلها قط حُسناً وتماماً، وهي ذات حاجة إلى الفحل.
فطرب الحمار عند ذكر الأتان وقال: ماذا تنتظر؟ ألا انطلق بنا، فإني لو لم أرغب في إخائك كان ذلك حاملي على الذهاب معك.
فتوجها جميعاً قبل الأسد، وتقدم ابن آوى إلى الأسد فأعلمه، فوثب الأسد على الحمار من خلفه فلم يضبطه، وانفلت الحمار، فقال ابن آوى للأسد: ما هذا الذي صنعت؟ فقال الأسد: إن أ،ت استطعت رد الحمار إلي أخبرتك بما سألت عنه. فقال ابن آوى: لقد جرب الحمار مني ما جرب، وإني بعد ذلك لعائدٌ إليه فمحتالٌ له بما استطعت.
فعاد إلى الحمار. فقال له: ما الذي أردت بي؟ قال ابن آوى: أردت بك الخير، فإن التي وثبت عليك هي الأتان التي أخبرتك عنها، وإنما وثبت عليك من شدة الحب، فلو كنت صبرت ساعة لتمت سعادتك. فلما سمع الحمار بالأتان ثانيةً هاجت به الأشواق فانطلق مع ابن آوى يسعى، فوثب عليه الأسد فقتله. وقبل أن يأكله قال لابن آوى: إنه وصف لي هذا الدواء على أن أغتسل ثم آكل الأذنين والقلب، وأحتفظ بما سوى ذلك للأيام التالية: فاحتفظ بالحمار حتى أغتسل وأرجع إليك.
فلما ذهب الأسد عمد ابن آوى إلى أذني الحمار وقلبه فأكلها رجاء أن ينزعج الأسد من ذلك فلا يأكل من بقية الحمار شيئاً فيظل اللحم كله له وحده.
فلما رجع الأسد قال لابن آوى: أين قلب الحمار وأذناه؟
قال ابن آوى: أو ما شعرت أن هذا الحمار لم يكن له قلبٌ ولا أذنان؟
قال الأسد: ما سمعت بأعجب من مقالتك.
قال ابن آوى: لو كان له قلبٌ وأذنان لم يرجع إليك ثانيةً بعد أن صنعت به ما صنعت.
قال بيدبا الحكيم: اجتنب أهل الفجور ولو كانوا من ذوي قرابتك.
الزم ذا العقل والكرم واسترسل إليه وإياك وفراقه.