وإن الله اختص نفسه بعلم خمسة أشياء ، فلا يعلمها نبيٌّ مرسل ولا مَلَكٌ مُقرّب .
فمن ادّعى علم شيءٍ من هذه الخمس فقد أعظم الفرية ، وافترى على الله الكذب ، وقد قال الله تبارك وتعالى : ( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ )
وهذه الخمس سماها الله عز وجل مفاتح الغيب : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )
وكذلك سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قوله عليه الصلاة والسلام : مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله : لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ، ولا تدري نفس بأي أرض تموت ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله . رواه البخاري .وإنما سُمّيت مفاتيح الغيب لأنها مفاتيح لما بعدها كما ذكر العلماء .
فقالوا :
قيام الساعة مفتاح لليوم الآخر .
ونزول الغيث مفتاح لحياة الأرض .
وعلم ما في الأرحام مفتاح لحياة المخلوقات .
وما تدري نفس ماذا تكسب غدا مفتاح للأرزاق .
وما تدري نفس بأي أرض تموت مفتاح للقيامة الصغرى لكل إنسان بحسبه .
وهذه الخمس تُعرف بالعلامات والأمارات والدلائل ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ولما سأله جبريل متى الساعة ؟
قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل .
ولما خسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قام النبي عليه الصلاة والسلام فزعا يخشى أن تكون الساعة فأتى المسجد فصلى . والحديث متفق عليه .
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم متى الساعة فغيره من باب أولى .
بل إن ملكا من الملائكة العِظام وهو إسرافيل الذي وُكِّل بالنفخ في الصور لا يعلم متى يؤمر .
قال عليه الصلاة والسلام : كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وأحنى جبهته وأصغى سمعه ينظر متى يؤمر . قال المسلمون : يا رسول الله فما نقول ؟ قال : قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا . رواه الإمام أحمد والترمذي
ويُنـزل الغيث .
فلا يعلم عدد قطر الأمطار ، ولا متى ينـزل المطر إلا الله .
ويجب على المسلم أن يعتقد جازما أن الغيث منّـةٌ من الله سبحانه وتعالى ، فلا يُنسب نزول الغيث إلى نجم ولا إلى نوء .
ويعلم مافي الأرحام فالله عز وجل قال ( وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ ) فلفظ ( مَا فِي الأَرْحَامِ ) عام يشمل الإنس والجن والوحش ، ومافي البحر من ذوات الأرحام ، والطيور ذوات الأرحام .
فلا يعلم جميع مافي هذه الأرحام إلا الله ، ولا يُحيط بها إحاطة شاملة تامة إلا الله عز وجل .
ثم إنهم لا يعلمون مافي الأرحام إنما يُحاولون ويتوقّعون فيقولون بنسبة كذا ذكر وبنسبة كذا أنثى ، ثم قد تقع ما توقعوه وقد لا يقع كما قالوا .
( إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ )
ومهما أوتوا من علم فلن يستطيعوا معرفة أمرين :
الأول : جميع مافي الأرحام .
والثاني : معرفة مافي الأرحام قبل أربعين يوم .
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول : إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك فيقول يا رب أذكر أو أنثى ، فيجعله الله ذكرا أو أنثى ، ثم يقول يا رب أسويٌّ أو غيرُسويّ ، فيجعله الله سويا أو غيرَسويّ ، ثم يقول يا رب ما رزقه ؟ ما أجله ؟ ما خلقه ثم يجعله الله شقيا أو سعيدا .
وما تدري نفس ماذا تكسب غدا .
وما تدري نفس بأي أرض تموت وهذه يُمكن أن يعرف منها علامات وأمارات بأشياء يُسبشر بها ولا يُجزم بها ولا يُعوّل عليها .
وقد ورد في تفسير قوله تعالى : ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) أنها الرؤيا الصالحة وكم تعرّض سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه للقتل ولم يُقتل بل مات على فراشه
ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها . كما قال عليه الصلاة والسلام
مايدّعيه بعض الناس من علم النجوم ، وما يُسمّونه بالأبراج ، وما يتعلّق بذلك مما يزعمونه من غنى أو فقر أو مرض .
وهذه كلُّها من أمور الجاهلية كما في قوله صلى الله عليه وسلم : أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة رواه مسلم
.ويجب علينا أن نعلم أن كل شي بأمر الله الموت والحياة والقدر خيره وشره ولا يتوكل الإنسان إلا على الله ويرمي همومه عليه ولا يذهب لعراف ولا ساحر من أجل أن يعرف مستقبله بل يعمل وعلى الله التوفيق