حوار مع أكرم عساف، المؤسس الشريك لشركة بيت.كم
يعتبر بيت.كم أحد المشاريع العربية القليلة على الإنترنت التي استطاعت تجاوز صعوبات
البداية وتحقيق النجاح مع مواصلة النمو بشكل دائم. وهو ما جعل من بيت.كم
موقع التوظيف الأول في العالم العربي، بمجموع خدماته المتكاملة لحلول
التوظيف وأدوات التخطيط المهني.
نلتقي اليوم مع أكرم عساف، المؤسس الشريك، ليحدثنا عن بدايات بيت.كم وعن ريادة الأعمال في العالم العربي.
-
بداية، لا توجد تفاصيل عن ”أكرم عساف“، سوى أنه المؤسس الشريك والمدير
التقني (CTO) لشركة Bayt. دعنا إذن نبدأ بسؤال: من هو أكرم عساف؟هو أحد الشباب العربي الذي قرر في مرحلة من حياته أن يتجه الى قطاع الإنترنت عبر المساهمة في انشاء أكبر سوق
للوظائف يجمع أصحاب العمل مع الموظفين المختصين أو الباحثين عن عمل من جميع
المستويات والقطاعات. أنا بشكل خاص ذو توجه تقني من حيث التأهيل والخبرات،
ولكن بحكم وظيفتي الحالية فقد تشعبت مسؤولياتي لتشمل إدارة عدة عمليات ذات
علاقة بالمنتج وتسويق الموقع عبر الإنترنت.
قبل تأسيس بيت كنت أعمل لدى شركة أوراكل وأكسنتشر للاستشارات بوظائف مختلفة.
- كيف جاءت فكرة تأسيس ”بيت“ وما الصعوبات التي واجهتكم في البداية؟بنظرة سريعة لأحوال سوق العمل للمنطقة
العربية في أواخر التسعينيات، تجد أن معظم الوظائف كانت بشكل عام متركزة في
منطقة الخليج العربي والأيدي العاملة والخبرات منتشرة بشكل أو بآخر في
منطقة بلاد الشام وشمال افرقيا. عملية التوظيف كانت معقدة وتتطلب الوجود
الشخصي للباحث عن عمل واستثماره للوقت والجهد في ادارة البحث والتقدم
للوظائف. كان هناك الحاجة لوجود الوسطاء من شركات التوظيف التي كانت غير
قادرة على جسر الهوة بكفاءة وكانت في بعض اﻷحيان تتسم بالمحاباة لمجموعة من
المعارف، أو اﻷقرباء أو حتى لجنسيات معينة.
وجدنا أن هناك فرصة لاستخدام وسيلة مثالية
لخلق التواصل المباشر بين الباحثين عن عمل وأصحاب العمل عبر الشبكة بطريقة
تضمن السرعة والشفافية والكفاءة وأضفنا لذلك جميع اﻷدوات التي تسمح
للباحثين عن عمل أو أصحاب الشركات لادارة هذه العملية بكل يسر. ولعلمنا
بأهمية وجود علاقة مباشرة بأصحاب العمل عملنا جاهدين على بناء شبكة من
المكاتب تنتشر على طول الوطن العربي وقمنا بتوظيف فريق كبير من أطقم
المبيعات والخدمة للعمل على استقصاء كل فرصة وظيفية لتكون معلنة بشكل مباشر
على موقعنا لجمهور الباحثين عن العمل.
طبعا في ذلك الوقت لم يكن من السهل إطلاقا
بناء شركة لتقدم خدماتها عبر الانترنت ولأسباب أهمها أننا كنا نطلق موقعنا
في الوقت الذي يتصادف مع انتهاء فقاعة الإنترنت اﻷولى في أواخر التسعينات
كما أن المنطقة العربية لم تكن بشكل أو بآخر جاهزة من حيث البيئة التحتية
للاتصالات أو أعداد المستخدمين أو حتى الخبرات التقنية لتتقبل فكرة جديدة
في هذا المجال ولا حتى من قناعة الموظفين أو الممولون للتعامل مع شركات
مرتبطة بمفهوم جديد عما كان يستخدم في السابق. أضف الى ذلك أنك يجب أن
تتعامل مع دول كثيرة كل لديها قوانينها ومحدداتها التي لم تكن بأي شكل من
اﻷشكال مواتية لبناء شركات تمتد على طول الوطن العربي. التسويق أيضا كان
أكثر صعوبة عند محاولتك الوصول إلى جمهور يستخدم وسائل إعلام كثيرة ومتعددة
كل على حدة وبلغات مختلفة بحسب المنطقة.
-
تعتبر البطالة أكبر المشاكل في الدول العربية. ما السبب في هذا الارتفاع
الكبير لنسبة البطالة عربيا؟ هل هي قلة فرص الشغل، عزوف الشباب عن العمل أم
هو الفرق الشاسع بين مخرجات النظام التعليمي ومتطلبات سوق الشغل؟أعتقد أن هناك الكثير من الأسباب التي تخلق هذا الواقع وهي تختلف من حيث التأثير من بلد إلى أخر ولكن يمكن تلخيصها بالتالي:
نجد أن أكثر الفرص الوظيفية في المنطقة
تتركز في القطاع الحكومي أو مجموعة محدودة من الشركات والمؤسسات الخدمية
وهذه بحد ذاتها لا تكفي لسد الهوة. فمثلا لو أنك نظرت لأي من الاقتصاديات
المتطورة تجد أن 70% على اﻷقل من الوظائف تأتي من الشركات والمؤسسات
الصغيرة التي في العادة تدار بشكل أكثر كفاءة وتنافسية من بعض أكبر
الشركات.
باعتقادي الخاص فإنك إذا نظرت الى البيئة
الاقتصادية تجد الكثير من اﻷمثلة لتمويل مشاريع من مئات الملايين أو حتى
المليارات لشركات كبيرة أو برامج حكومية ولكننا نفتقد بشكل واسع للمشاريع
الصغيرة التي تتطلب رأس مال مضارب [مخاطر] لا يتعدى مئات الآلاف من
الدولارات وإن حدث فإنه يكون مبنيا على قواعد لا علاقة لها بالكفاءة وإنما
قد تكون مبنية على بعض صلات القرابة أو عبر برامج دعم حكومية قد لا تدار
بالكفائة المرجوة. باعتقادي هذه الاستثمارات الصغيرة المرجوة يجب أن تأتي
من مجموعة كبيرة من أصحاب اﻷعمال وليس من القطاع الحكومي وذلك لضمان أن
عملية التمويل تتم بكفائة ﻷن كل مستثمر صغير سوف يقوم بكل ما يمكن لضمان
نجاح استثماره من حيث تقييم الفرصة وتوفير الدعم والمشورة، وككرة الثلج فكل
نجاح في هذه المشاريع سوف يخلق مستثمرا جديدا يزيد من زخم هذا الاتجاه
وبالتالي خلق فرص وظيفية جديدة تتصاعد وتزيد في كل يوم.
من حيث التعليم فإننا نجد عدم التوافق بين
مدخلات سوق العمل ومخرجات التعليم من حيث التخصص أو النوعية واﻷسوء من ذلك
فإن المراحل اﻷولية من التعليم لم تثبت بأنها قادرة على تطوير قدرات
الاتصال والتفاعل وبناء حب العمل والانتاج بشكل فعال من الصغر.
-
الجميع يتحدث هذه الأيام عن ريادة الأعمال وتمويل مشاريع الشباب، وتقريبا
صار كل عاطل عن العمل يقول بأنه رائد أعمال. ما سر هذه الفورة في انتشار
الاهتمام بريادة الأعمال؟ وما الذي يعنيه تحديدا أن تكون رائد أعمال؟
هذا شي جيد على أن يصاحب ذلك عمل فعلي
تجاه بناء منتج أو خدمة يحتاجها المجتمع. الحقيقة أنني لا أعتقد أن ريادة
اﻷعمال هي حل العاطل عن عمل ولكن نجاح شخص إن كان عاطلا عن العمل أو صاحب
وظيفة تركها لبناء مشروع قد يكون الحل في حد ذاته لتوفير العمل لشخص أو
أكثر وهذا هو المرجو من انتشار الاهتمام بريادة الأعمال.
يجب أن لا ننسى أن أي نجاح في بناء أي
مشروع يتطلب التحليل الدقيق لمتطلبات السوق وتقدير المنتج أو الخدمة
المطلوبة ومن ثم العمل بكل تفاني لإنتاجها على أكمل وجه وأسرع وقت والقدرة
على التعامل مع الفشل والتصحيح بأقل التكاليف. وعليه فإن كان سبب العطالة
عن العمل عدم القدرة أو الكفاءة أو المثابرة فإنه قد يتعذر على هذا الشخص
بناء المشروع الناجح الذي يسعى اليه.
-
أطلقت ”بيت“، منذ عامين، مبادرة باسم ”إنطلاق“، بغرض الاستثمار في رواد
الأعمال الشباب العرب. لكن حتى الآن لم يتم تفعيل هذه المبادرة. المشروع
الوحيد الذي تم الاستثمار فيه باسم هذا الصندوق هو شركة GoNabit التي أسسها
الكندي Dan Stuart، المدير السابق للصندوق! لماذا لم يتم خلال عامين سوى
الاستثمار في مشروع واحد؟بصراحة رأس المال المخصص لهذه المبادرة
كان محدودا وعليه فإننا كنا دقيقين جدا في اختيار المشروع المناسب، فمثلا
في بعض الحالات أعجبنتنا الفكرة والتنفيذ والقائميين عن العمل ولكن لم يكن
هناك اتفاق على التقييم. في حالات أخرى كانت الفكرة جيدة ولكن لم يكن هناك
تنفيذ أو حتى قدرة على التنفبذ من الفريق. أو كان الفريق ممتازا ولكن كانت
الفكرة تحت المستوى أو غير قابلة للتنفيذ بحسب التمويل المتوفر لدينا لهذه
الفكرة. ومن ثم لقناعتنا بفكرة GoNabit فقد قمنا بتمويل ودعم الفكرة عبر
امكاناتنا في بيت.كم بما يتناسب مع ما يمكن المخاطرة به من المال المضارب
من صندوق انطلاق. والحمد الله كان التوفيق من جانبنا في اختيار هذا
الاستثمار.
-
ثمة حالة من الفصام تتعلق باللغة يعيشها عالم ريادة الأعمال العربي. نعاني
مثلا من ضعف المحتوى العربي على الإنترنت، لكننا حين نود مناقشة تلك
المشكلة نناقشها بالانجليزية! ونتحدث أيضا عن ضرورة رعاية الشباب العربي
وتوفير المصادر (المعرفية والمالية) له، لكن كل الحديث عن ذلك بالانجليزية،
وحتى طلبات التمويل تشترط شركات الاستثمار أن تكون بالانجليزية. هل هذا
طبيعي؟ كيف يمكن نشر أساليب ريادة الأعمال السليمة بالانجليزية وسط شباب لا
يتحدثون إلا العربية!قد يكون هذا صحيحا ولكن لايجب أن يثبط
الهمة. فبصراحة من يستطيع التغيير هم الشباب على اﻷرض. هم من ينتج المحتوى
وهم من يستهلك المحتوى العربي. شركات التمويل سوف تلاحق النجاح ولا يهمها
اللغة إن كانت عربية، انجليزية أو حتى أي لغة أخرى. أعتقد أن أكثر المواقع
نجاحا هي التي تراعي في محتواها جمهور المستخدمين وفي منطقتنا العربية سوف
تكون دوما اللغة العربية.
أنا بصراحة لا أعتقد أن ما سوف يخلق
الاهتمام بريادة اﻷعمال هو هذه المؤتمرات أو النقاشات. وإنما العمل الجاد
على اﻷرض. فمثلا هناك اهتمام من جمهور واسع من المتحدثين باللغة العربية
بالصحة، فلا يوجد إنسان الا ولديه استفسار في هذا المجال. فلماذا لا يقوم
بعض اﻷشخاص من المختصين في ترجمة وتنقيح محتوى عربي في هذا المجال؟ أعتقد
جازما أن موقعا عربيا في هذا المجال سوف يكون قادرا على بناء جمهور
مستخدمين يمكن لاحقا تحويله إلى مصدر دخل لا بأس به.