خبر جميل : بعد 64 عاما من تهجيرهما من صفوريةالحاجة رسمية تلتقي شقيقتها ريمة في كفرمند
عقبال العودة لكامل الشعب الفلسطيني المهجر والمشرد
هجرةٌ بالإكراه وبقوة السلاح.. فمرارة، وانتقال من مكان لآخر وبالأخير أنا لاجئ، وعلى أهازيج أمل العودة إلى الحبيبة الأم الغالية أملُ كلّ فلسطينيّ وفلسطينية في شتات الدنيا، وقفت الحاجة رسمية عبد الحميد ابنت صفورية المهجرة... معاناة بددتها روعة اللقاء بشقيقة لم ترها ووطنٌ لم تلمس ترابه ولم تستنشق نسيمه من قبل.. لحظات تفوق الوصف لا الكلمات ولا مَلَكَاتُ اللغة تستطيع الوقوف عند وصف المشاعر الفياضة الذي رافقه العناق والدموع والزغاريد وهمسات الاشتياق حتى بدا واضحا وفياضا على الحاجة رسمية التي جاءت من الشتات وشقيقتها ريمة التي تسكن في كفرمندا بعد فراق دام 64 سنة.
فقدعادت الحاجة رسمية عبدالحميد البالغة من العمر 64 سنة، بعد أن فارقت قريتها صفورية وبلادها سنة 1948 إبّان نكبة فلسطين وكانت وقتها طفلة صغيرة تبلغ من العمر سنتان ونصف وفي وقتها كانت شقيقتها ريمة في الحادية عشر من عمرها.. لم تستطع الحاجة الحديث عن مشاعرها إلا أن تأخذ نفسا عميقا ورُسمت على جبينها علامات الفرح ولسان حالها يقول "لا أصدق" ، حتى أنّها لم تؤمن من قبل ولم تتوقع أن تلتقي شقيقتها وتعانق تراب بلادها.. فارقتهما طفلة صغيرة ولم تعي حينها من الدنيا شيء ولم تكن تدرك ما الذي يدور من حولها.. إنّما كانت ضحية من ضحايا التهجير تنتقل على أكفّ أهلها من مكان إلى آخر طفلة مسكينة..
حكايتها..
السنين لم تحبط من عزيمة الفلسطينيين في الشتات، من حلم العودة واللقاء بالأهل، ففي كفرمندا ولدى عائلة حلومة التي هجرت من بلدة صفورية القريبة من الناصرة، تسكن (أم عادل) ريمة أبو صلاح - حلومة التي لم تر شقيقتها رسمية عبد الحميد منذ 64 سنة والتي سكنت في احدى مخيمات اللجوء في لبنان وبعدها انتقلت للعيش في المانيا بعد ان تقطعت بها السبل بعد وفاة زوجها قبل (20 عاماً) وبدأت رحلة البحث عن أهلها وشقيقتها بعد ان جاءت المنية لتقطف شقيقيها في لبنان، فبقيت وحيدة الا من أمل يلازمها بأن تعثر على شقيقتها الأخرى، حيث بدأت تعد الأيام في ألمانيا حتى تستطيع الحصول على الجنسية الألمانية التي ستمكنها من العودة الى مسقط رأسها صفورية وجميع مناطق فلسطين، وهذا ما تحقق مساء الثلاثاء، عندما اصطف اهالي كفرمندا وافراد عائلة حلومة مرحبين بها بعد أن وطأت رجليها ارض وطنها بعد غياب اكثر من ستة عقود، وعندما وقفت على مدخل منزل عائلة شقيقتها بدأت تقبل كل من تراها أمامها، وفي كل مرة تقبل إحدى النساء يخبرونها بانها ليست شقيقتها وتقبل الأخرى ويقولون لها بانها ليست شقيقتها حتى وصلت الى شقيقتها التي تجهل شكلها الخارجي فحضنتها والبكاء والصمت كانا سيدا الموقف، في لحظة لا يمكن لاحد تواجد في المكان ان ينساها، وكل من حولهما قد خذلتهما القوة واجبروا على ذرف الدموع الحارقة التي يشعر بها كل مهجر من أبناء شعبنا الفلسطيني.
فالحاجة ريمة لا تزال تعيش أدق التفاصيل التي تذكرها منذ ولادتها في قرية صفورية، والتي اجبر اهلها للنزوح عنها في ليلة ظلماء كانت في شهر رمضان الكريم عام 1948، والعائلات في صفورية يفترشون الارض بانتظار صوت الآذان الا انه وبدلاً من أن يسمعوا الآذان سمعوا صوت القنابل التي كسرت السكون وسقط العديد من الشهداء فاجبر اهلها وتحت ضربات القوات الاسرائيلية بان ينزحوا عن بلدهم وكانت وجهتهم لبنان كغالبية العائلات الفلسطينية التي هجرت من بيوتها في الجليل والساحل فالقوات الاسرائيلية وبعد مهاجمة البلدة هددوا اهلها بالقصف وتدمير المنازل فوق رؤوس الاطفال كما حدث مع القرى المجاورة.
"لا أصدق"
جلست الحاجة رسمية إلى جانب شقيقتها الحاجة ريمة في بيت العائلة وبين أفرادها وأخذوا يتداولون الحديث وسط مشهد مؤثر للغاية، واستوقفها مراسل موقع فلسطينيو 48 الذي زارهم في كفرمندا للوقوف عند حكايتها، لم تسطيع الحديث عن شعورها ولم تستطيع وصفه واكتفت بأن تقول "لا أصدق" وأضافت: "عندما نزحت عن بلدتي مع إخوتي ووالداي كنت صغيرة، لجأنا في مخيم عين الحلوة في لبنان وسنة 1966 تزوجت من فلسطيني أصله من صفورية وسكنت وانتقلت للسكن في مخيم الزعتر وبعد حروبات وقعت في المنطقة سنة 1973 مما اضطرنا للنزوح إلى برلين في ألمانيا لاجئين وبالأخير أخذنا الجنسية الألمانية مما يمكننا المجيئ إلى بلادنا ورؤية شقيقتي"..
صفورية..
لم تتخيل الحاجة رسمية شكل فلسطين بل إنّها لا تعرفها أبدا، عن ذلك تقول: "لم اكن أتخيل فلسطين ولم أكن أعرفها لأني كنت طفلة صغيرة بعمر سنتين، وفي الطريق كنت أنظر بلهفة إلى بلادي وأقول: يا الله ، هذه فلسطين؟! وعندما قالوا من هنا الذهاب إلى صفورية قلبي تفتح وقلت: ليتهم يذهبوا بي قليلا ، ليتهم يأخذوني إلى صفورية لتقبيل ترابها"..
مفتاح العودة..
ومضت في الحديث وقد حافظت على لهجتها الفلسطينية بعزة وبفخر، قائلة: "توفي والدي وفي جيبه مفتاح بيته وكانت أمنيته أن يموت ويدفن في تراب صفورية وكان دعاؤه دائما "يا رب أموت وأدفن في تراب صفورية"، وأمي كانت تتمنى أن ترى شقيقتي ريمة قبل أن تموت"، وعن المفتاح قالت: "كان المفتاح كبيرا، كنت كثيرا ما أسأل أبي ما هذا يا أبي كان يجيبني هذا مفتاح الدكانة في صفورية، واللاجئون الفلسطينيون جميعهم يخبؤون مفاتيح بيوتهم على أمل العودة، وقد علمت أبنائي على التمسك بحق العودة حتى إنّهم عندما يسألهم أحد عن جنسيتهم يقولون أنّهم فلسطينيون حتى ابني الذي جاء إلى ألمانيا وهو بعمر سنة واحدة يؤكد للجميع أنّه من قرية صفورية وفلسطيني".
معاناة..
اللاجئون في الشتات يعانون الأمرين وتؤكد على ذلك الحاجة وتقول: "وضع الفلسطينيين صعب جدا منذ التهجير وحتى اليوم والسكان الأصليين يعاملوننا كغرباء ولا يحبوننا وغير ذلك أننا ننتقل من مخيم لآخر ومن ملجأ لآخر"، وأضافت صورة من صور المعاناة والقهر الذي لحق بهم عندما كانوا في مخيم في حرب 1973: إحدى قريباتي كان لديها طفل صغير ووقت الحرب قامت الكتائب وهم مسيحيين من لبنان بحمل طفلها وإلقائه أمام عينها من فوق السطوح من أجل إخافتهم وترحيلهم، أضف على ذلك فقد اتفق علينا الجميع ووقتها هربنا إلى ألمانيا وحتى في ألمانيا الآن وضعنا صعب ونعيش وكأننا غرباء"..
بقي أن نذكر أنّ الحاجة رسمية عبد الحميد فقدت زوجها قبل 20 سنة ولديها الآن 5 أبناء ذكور وبنت واحدة، وعندما كانت في العاشرة من عمرها توفيت أمّها وأيضا توفي جميع أخوتها وأبوها وبقيت هي وأختها التي التقت بها بعد 64 سنة، إضافة إلى أخوة آخرين من والدها.