كان الغرب على مدى التاريخ , ينظر إلى منطقة الشرق الأوسط على أساس وجود مثلث قوى متمثل في ثلاث دول كبرى هي مصر وإيران وتركيا, وركزت عملها على إبقاء هذه الدول الثلاث في خندق العلمانية والقطرية كضمانة لإضعاف قوى المارد الإسلامي وتأمين إسرائيل .
فإيران الشاه كانت منغمسة في العلمانية وعلى علاقات وثيقة بإسرائيل والغرب , وتركيا الأتاتوركية كانت قد قطعت علاقاتها التاريخية بالأمة والحضارة الإسلامية , وركبت قطار الغرب والحداثة ولم تتحدث إلا مع أردوغان , وكذلك مصر تم تصنيع نموذج علماني متمثل في شخصية سعد زغلول يؤكد على الفكرة القطرية واستقلال مصر عن محيطها الإسلامي بينما تم استبعاد الحزب الوطني بقيادة مصطفى كامل ونفي زعيمه الثاني محمد فريد لأنه يحمل فكرة الجامعة الإسلامية , وفي كل النماذج الثلاثة تم استخدام القهر والاستبداد من أجل تثبيت قواعد العلمانية والقطرية.
ومع بداية المشروع الصهيوني بدأت فكرة القومية العربية كرد فعل على الاستعمار, والتي تبناها كثير من المفكرين والسياسيين حتى صارت تيارا شعبيا , وكان وفود المتطوعين للجهاد في فلسطين من كافة المنطقة العربية ترجمة لهذا التوجه العام والإحساس بالهوية و روابط الدين واللغة والتاريخ والجغرافيا لدى الشعوب العربية , ثم جاء عبد الناصر ليركب الموجه لأنه وجدها تلبي رغبته الهائلة للزعامة والسلطة , ولكن طمعه هذا كان سببا في ضياع الوحدة واقعيا , ثم جاء السادات وفكك بقايا هذه الوحدة بتصالحه مع إسرائيل وارتماءه في حضن الغرب , وتبعه خليفته مبارك , الذي عمل سفيرا للمخططات الأمريكية لتفكيك الوحدة العربية .
اختلف الوضع اليوم، فلم تعد إيران شاهنشاهية، و لم تعد تركيا أتاتوركية, ومصر في طريقها للتحرر من العلمانية والقهر المفروض عليها, وأصبح الطريق ممهد لتنمية العلاقات بين هذه القوى الثلاث وهي لاشك بعد أن تحررت من القوى العلمانية التابعة للغرب , يمكنها أن تخطو في طريق التوحد الإقليمي بتكوين جبهة ممانعة ضد المخططات الغربية المضادة لمصالحها .
وفكرة القومية العربية يتبناها الآن تيارين أساسيان في الوطن العربي , التيار الإسلامي والتيار القومي , وتختلف رؤية الفريقين في مدى اتساع هذه الوحدة , والعوامل المشتركة المجمعة لهذه الوحدة , فالتيار القومي يرى الاقتصار على الدول الناطقة بالعربية فقط , بينما التيار الإسلامي يرى أن التحالف يجب أن يشمل الدول الإسلامية .
ويشترك كلا التيارين في عوامل الجغرافيا والدين والتاريخ واللغة كعوامل مجمعة لهذا التحالف , ولكن القوميين يضعون الدين في إطار عقدي وعاطفي فقط , ويرفضونه كشريعة ونظام حياة قادر على دعم هذه الوحدة , وذلك بسبب التوجه الاشتراكي لأغلب القوميين العرب , بينما يرى الإسلاميين أن الدين باعتباره عقيدة ومنهج حياة عامل أساسي من عوامل الوحدة الذي يتسع ليشمل كافة الدول الإسلامية , وبينما يرى القوميين أن عامل اللغة هو المحدد الرئيسي للوحدة فلا داعي أن تمتد الوحدة إلى البلاد الإسلامية , ولكن الواقع الأوربي لم يجعل اللغة عائق في التوحد تحت راية الاتحاد الأوربي , بالرغم أنه لا تكاد توجد دولتين يتكلمان نفس اللغة ومع ذلك أقاموا اتحادهم وعملتهم الواحدة , لذلك لا يرى الإسلاميين أن اللغة تعد عائق للوحدة الإسلامية .
ولأن هذه البلاد الإسلامية فيها من يحملون أيضا فكرة الوحدة والتحالف فكيف نصدمهم بتجاهل رغبتهم في الوحدة , بالإضافة إلى حبهم لتعلم اللغة العربية هذا يجعل أمر تعليم اللغة أو اعتمادها كلغة رسمية أمر ميسر, والشعوب التي لا تتكلم العربية تتطلع دائما إلى المكان الذي نزل فيه الوحي ونبعت فيه علوم الإسلام الناطق بالعربية .
وجود إيران وتركيا خارج إطار الوحدة العربية يجعلهم متنافسين معنا على الهيمنة والنفوذ في المنطقة , ولكن وجودهم داخل إطار الوحدة الإسلامية يجعلهم مشاركين و داعمين لقوة الدول العربية والإسلامية .
وجود الاتحاد الأوربي(1) وحلف الأطلنطي الذي يضم أكثر من (27دولة) يجعل أهمية فكرة الوحدة الإسلامية أكثر قوة وجدوى لأن الدول العربية وحدها بافتقادها إلى التسليح الذي تتفوق فيه كل إيران وباكستان والتكنولوجيا التي تتفوق فيه كل من ماليزيا و تركيا واندونيسيا والمال المتوفر في الخليج واليد العاملة المتوفرة في مصر والأراضي الزراعية المتوفرة في السودان كل ذلك يجعل اتساع التحالف والوحدة أكثر ضرورة وجدوى لإحداث عملية التكامل بين ميزات وتفوق كل دول الأمة الإسلامية , وهذا يجعلها غير قابلة للكسر , وقادرة على الوقوف بندية أمام التكتلات الدولية , وهذا ما تفتقده الدول العربية مجتمعة .
إن اعتراف العالم بأن مثلث القوى هو مصر وإيران وتركيا يجعل فكرة الوحدة العربية خيط رفيع أمام حبل متين هو الوحدة الإسلامية .
وإذا كان الاتصال الجغرافي له تأثير كبير في تدعيم فكرة الوحدة , فإن معظم الدول العربية والإسلامية متصلة جغرافيا فيما عدا إندونيسيا و وماليزيا و بنجلادش , ولكن هذه الدول ستكون أحوج للوحدة لدعم قوتها أمام التحديات الإقليمية التي تواجهها.
والقول أن التحالف الإسلامي يخلق عداوة لكل المسيحيين فهذا مردود عليه بأن حلف الأطلنطي اتخذ الصليب على شكل نجم شعار له والاتحاد الأوربي رافض لمشاركة تركيا بسبب انتماءه الإسلامي , وليس كل المسيحيين على وفاق مع الاتحاد الأوربي أو مع حلف الأطلنطي وليس الاتحاد الإسلامي تصادمي مع كافة الديانات بل يجب أن يكون هدفه إقامة علاقات تعاونية مع كافة الدول على أسس متكافئة .
والقول بأن إيران بسبب التشدد الشيعي ونظام ولاية الفقيه قد يكون عامل تفتيت للوحدة الإسلامية فهذا قول مقبول إلى حد ما, ولكن الذي ينظر للحراك السياسي في إيران يعرف أن فكرة ولاية الفقيه قادرة على التطور والتفتت والوصول إلى مساحة أكبر من القيم المشتركة بين الشيعة والسنة .