سوريا: أخطر لحظة انعطاف في الثورات العربيةلــ / د.
أكرم حجازيما من بلد عربي محصن من الثورات، وما من نظام عربي له الحق
في الزعم أنه مختلف عن الآخر. لكن نتائج الثورات تختلف قطعا،
في آثارها وتداعياتها وأهميتها، عن ثورات أخرى.
هذا التوصيف من الأولى أن ينطبق على الثورة السورية أكثر من غيرها،
إلا إنْ حطت العاصفة رحالها في قلب الجزيرة .. حينها؛ فإن كل التحليلات والتوقعات
ستنقلب رأسا على عقب، بالنظر إلى مكانة الجزيرة في عقل الأمة ووجدانها.
أما مع الثورة السورية فالأمة، بلا شك، دخلت منعطفا حادا جدا، ستكون له تداعيات غير مسبوقة.
بعد قرابة الشهرين على تولي الجنرال حافظ الأسد السلطة في سوريا،
عبر انقلاب عسكري أطاح بحكم الرئيس نور الدين الأتاسي، وقاده إلى رئاسة الجمهورية في 12/3/1971،
أذاع راديو دمشق عصر يوم صيفي، وفي نشرة إخبارية رسمية على الساعة
4.15 خبرا يقول فيه: « فخامة الرئيس الفريق حافظ الأسد يشهر إسلامه»!!!
حين سمعت الخبر كان عمري 12 عاما، فهالني ما سمعت، وعجبت،
وتساءلت في نفسي: هل هو غير مسلم؟
والتفت حولي؛ فلم أجد أي اهتمام يذكر ممن كانوا جالسين بجانبي!! فتعجبت أكثر.
ومع أنني لم أكن أعي شيئا من الحياة والسياسة آنذاك،
إلا أن الخبر استوطن في عقلي وقلبي على مدار السنين،
وملك علي كل حواسي، حتى أنه لم يفارقني صوتا وكلمات.
ولعل من كان حولي لم يكونوا يفهمون أيضا أي معنى للخبر أو سببا له.
ومضت عقود حتى أدركنا أن الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس
هي طائفة مكفرة من علماء المسلمين، وأن وجود رئيس، غير مسلم،
على رأس السلطة يستدعي منه تدارك الأمر في بلد أهله من المسلمين السنة،
وإلا فلا يمكن تشريع حكمه أو تبرير سلطته. وهكذا .. كان الخبر هو الرد.
لكن الحقيقة أن الخبر كان مجرد خبر، لا يزيد ولا ينقص. أما واقعا؛
فالرجل أبعد ما يكون عن الإسلام وأهله. وأشرس ما يكون ضد الدين والمسلمين وأهل السنة،
خاصة من طائفة اشتهرت منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر بـ «النصيرية»
تلك التسمية التي استمدت حضورها التاريخي من السلسلة الجبلية المحيطة بمدينة حلب الشهباء
، والشهيرة باسم جبل النصيرية. ولهذا الجبل قصة تاريخية تحكي أسرار لجوء الطائفة العلوية إليه،
فرارا من غضب أهل حلب، الذين ضاقوا ذرعا من تصرفاتهم الأخلاقية المشينة،
وإشاعتهم للفواحش والزنا بين السكان على نطاق واسع، حتى كادت حلب الفاضلة
تشتهر باسم عواهرها اللواتي ذاع صيتهن في الآفاق.
لكن نهاية النصيرية في حلب لم تكن آخر المطاف.
وشذوذها لم يكن مقبولا حتى من الروافض الذين لم يعترفوا بها طائفة شيعية
إلا في آخر السبعينات من القرن العشرين. أما فرصتهم الأولى
فكانت مع حلول الاستعمار الفرنسي الذي مكن لهم في إدارة وشرطة وضباط حكومة الانتداب.
وما أن غادر الفرنسيون البلاد حتى كانت الإدارة والجيش السوري يعج بهم.
فكان الانقلاب الشهير الذي قاده حافظ الأسد ..
وكانت الطامة الكبرى التي فتكت بالمسلمين في الشام،
وما زالت تفتك بهم، عبر التحالف مع الروافض حيثما كانوا،
بعد أن اعترفت بهم حوزة قم في طهران، كجزء من الطائفة الشيعية مع الكثير من التفاصيل.
حتى أوائل السبعينات كانت نساء الشام شديدات المحافظة،
وكُنَ يرتدين الخمار على وجوههم، لا يرى الرائي منهن وجها ولا ملامح،
طفلا كان أو شابا أو رجلا. أما اليوم فالشام مرتعا للفساد والإفساد.
ومرتعا لكل رذيلة، ومرتعا لكل رشوة، ومرتعا للظلم والبغي.
الرافضة شرّ من وطئ الحصى، هذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية ..
الشيخ المكروه لدى العلويين .. والنصيرية شرُّ من كذب على وجه الأرض
. فإذا كان الكذب هو تسعة أعشار دين الروافض، وإذا كان كذبهم فيه قدر هائل من البلاهة والغباء،
فهو عند النصيرية والنظام السوري، على وجه الخصوص، فيه من الوقاحة ما يعجز اللسان عن وصفه
. فمن الممكن أن نصدق اليهود في بعض ما يقولون،
ومن الممكن أن نصدق الروافض كذلك، ولو في حين، أما النظام السياسي في سوريا
فلا يمكن تصديقه أو الثقة به حتى لو تحدث بحديث جن سليمان عليه السلام،
وقال: « قبل أن تقوم من مقامك» أو أوفى بشروط الذي عنده علم الكتاب،
فقال: « قبل أن يرتد إليك طرفك».
وفي بضعة أيام قتل في سوريا ما يفوق عدد قتلى الثورة التونسية في شهر.
ومع بشاعة الجرم؛ إلا أن الكذب في سوريا لا يدانيه أي كذب على وجه الأرض.
فالكذبة الواحدة لا تصمد ثانية واحدة من الزمن.
ومثل هذا الوضع يعني أن فجور النظام السياسي لا يمكن تصوره حتى لو شهد العالم أجمع عليه.
ولما يكون القذافي يدافع عن امتيازاته وعائلته ووهم العظمة والجنون عنده؛
فإن النظام السوري لا يدافع إلا عن أحقاد طائفية دفينة،
لطائفة تفتش عمن تحتمي به لتمارس دونيتها ووحشيتها وتسلطها.
لاحول ولا قوة الا بالله **