عند دخولنا إلى غزة قالوا لنا ستنزلون في فندق فلسطين في ضيافة الحكومة.. قلت جيد.. لم أكن أتوقع أن فيها فنادق.. وعلى أية حال وصلنا للفندق ودخلت غرفتي.. وأول ما هممت بفعله هو البحث عن زر الإنارة.. فوجدته بعد بحث وتلمس للحائط في الظلام.. فتحت الزر.. ولكن لم تفتح الإنارة! حاولت أن أفتح زراً آخراً فلم يفتح أيضاً.. فذهبت لأفتح الأزرة الموجودة في الطرف الآخر من الغرفة.. ولم تفتح الإنارة أيضاً.. وبعد أن فتحت جميع الأزرة في الغرفة لم تشتغل سوى إنارتين.. أحدهما الأباجورة التي بجانب السرير.. والأخرى إنارة دورة المياه!
حصل خير.. أين التلفاز.. لابد أن قناة الجزيرة والأقصى تغطيان خبر دخول القافلة إلى غزة.. فضغطت زر التلفاز لكن لا حياة لما تضغط! إذاً ربما أستطيع متابعة الأخبار في الإنترنت.. لكن اللاب توب يحتاج شحن.. أين أقرب فتحة للكهرباء؟ أوصلت شاحن اللاب توب في الفتحة.. ولا حياة لكهرباء!
ماشي الحال.. يبدو أن الغرفة حارة قليلاً.. أين زر التكييف؟ فتقدمت نحوه وشفتاي تتمتم بالدعاء أن يكون سليماً.. مددت اصبعي وأنا أغلق عيناً وأفتح أخرى أملاً بسماع صوت المكيف..ضغطته.. فلم يعمل.. فقلت لنفسي:إلهى.. إلا التكييف!!!
طيب.. حصل خير أيضاً.. فمن أهداف زيارة غزة تربية النفس على التقشف والإحساس بمعيشة أهلها..
انسى موضوع الكهرباء كله.. أحتاج الآن إلى دوش عاجل.. فالسفر كان طويلاً.. والسيارة التي كنت أقودها لم يكن فيها AC.. فتحت الدوش ونزلت تحته كمن عاش طول الدهر ظمآن لم يصدر ولم يردِ.. فغرفت الماء ومسحت به وجهي فإذا بي أُصدم بالحقيقة المرة..
كان ماء البحر المالح ينزل من الدوش!صادفت أحد موظفي الفندق في الممر.. فسألته عن مشكلة الكهرباء والماء كما يستجوب النواب وزير الطاقة.. فقال لي: أهلاً بك في غزة ياسيدي..
أما عن الكهرباء.. فتعاني غزة عجزاً يصل أحياناً إلى 60%.. بمعنى أنه لا يمكن تشغيل إلا 40% من حاجة غزة للكهرباء.. وقد قسمت الحكومة الكهرباء بين مرافق وبيوت غزة بالتساوي.. ولذلك فالكهرباء الموصلة إلى فندقنا هذا لا يفي إلا بـ40% من حاجته.. وكنا بالخيار بين تشغيل التكييف الذي يستهلك طاقة كبيرة وبين تشغيل أباجورة وإنارة الحمّام.. واخترنا لك الإنارة حتى تصدم جدران الغرفة!
أما الماء.. فقد كان عندنا محطة لتقطير وتصفية المياه.. لكن قصفها الصهاينة في الحرب الأخيرة.. وللأسف لازالنا عاجزين عن إعادة ترميم المحطة لنقص مواد البناء ومنع دخولها إلى القطاع..
ذلك تأويل ما تسطع عليه صبرا!~ طلال الخضر ~