نورس *********
المشاركات : 30951
العمـر : 94
تعاليق : مؤسس منتدى النورس
المزاج :
الدولة :
المهنة :
الهواية :
التسجيل : 09/10/2008
النقاط : 39243
التقييم : 1559
| موضوع: القرآن للحياة - برنامج الشريعة والحياة الجمعة أغسطس 20, 2010 3:14 pm | |
| عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بكم في حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة، يقول الله عز وجل في كتابه العزيز {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ..} [الأنفال:24] أنزل الله سبحانه وتعالى آخر كتبه ليكون هدى ونورا، لكن ما الذي حول ذلك الكتاب الذي جاء لينذر من كان حيا حوله إلى أحد الشعائر المقترنة بالموت؟ كيف نستعيد القرآن للحياة وفي الحياة؟ "القرآن للحياة" موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الشيخ الدكتور سلمان العودة الداعية الإسلامي المعروف والمشرف على مؤسسة الإسلام اليوم، مرحبا بكم فضيلة الدكتور.
سلمان العودة: مرحبا أهلا بكم جميعا.
مفهوم الحياة ومعانيها في القرآن الكريم
عثمان عثمان: فضيلة الدكتور الآية التي افتتحنا بها هذه الحلقة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ..} عن أي حياة تتحدث هنا وكيف نحققها؟
سلمان العودة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأصحابه أجمعين. نعم هو كما تفضلت يعني هذه الآية الكريمة أولا فيها مناداة الذين آمنوا لأنهم هم الذين تتوفر عندهم عوامل الاستجابة فالمخاطبة لهم قبل غيرهم، مع أنه في القرآن خطاب آخر للناس، {يا أيها الناس} إذاً هذا خطاب وذاك خطاب، الدعوة إلى طاعة الله والرسول قال {..إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ..} لم يقل إذا دعوكم، مع أنه الله والرسول فأعاد الضمير على واحد إشارة إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو مبلغ عن الله عز وجل فعاد الأمر إلى أنها استجابة لله عز وجل، وهذه الاستجابة هي استجابة شرعية، استجابة للشريعة التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يقل إذا دعاكم لما يحييكم هذا الحقيقة قد يثير العجب وأنت تتلو الآية أنا يخطر في بالي أنه أحيانا ممكن يعني لو قيل استجيبوا إذا دعاكم لشيء فيه مشقة عليكم هذا مفهوم ومعقول لأن النفوس ربما تكره أن تقدم على ما فيه مشقة وتعب وعناء وكراهية، كما قال سبحانه {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ..}[البقرة:216] لكن الآية قالت استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، أنه حتى الشيء الذي فيه الحياة الإنسان بحاجة إلى أن يحفز حتى يستجيب له، طبعا من البدهي أنه لا يخاطب بهذه الآية إلا الإنسان الحي الذي هو يعني فيه السمع والبصر والقلب النابض والحياة الذي هو قادر على الامتثال، إذاً ما المقصود بالحياة هنا؟ دعاكم لما يحييكم وهو أحياء، ما قيل لهم {يا أيها الذين آمنوا} إلا أنهم بشر موجودون على ظهر هذه الأرض وأيضا هم مؤمنون بالله سبحانه وتعالى ومع ذلك يدعون إلى ما يحييهم، هذا أولا يشمل حياة الأرواح، حياة القلوب التي في هذا القرآن الله سبحانه وتعالى يقول {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا..}[الشورى:52] إذاً هناك روح في هذا القرآن إذا دخلت في قلب الإنسان صنعت منه شيئا آخر، فهنا حياة القلوب بالإيمان بالله سبحانه وتعالى ولك أن تتصور أن الحياة إذا خلت من الإيمان أصبحت غير ذات معنى وربما يكون الإنسان يملك من الأموال أو التقنيات أو التسهيلات الشيء الكثير ولكن لأن صلته مبتوتة بالله سبحانه وتعالى لم تعد هذه الأشياء ذات تأثير عليه.
عثمان عثمان: ربما هنا يتحقق قول الله عز وجل {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً..}[طه:124].
سلمان العودة: هذا بالضبط صحيح، فالحياة الطيبة الآية الكريمة {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً..}[النحل:97] ولذلك أيضا المؤمنون {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ..}[يونس: 62-64] يعني هنا معنى من معاني السعادة معنى من معاني الاستمتاع حتى بالحياة يعني الإنسان يأكل ويشرب ويتنعم بطيبات الحياة الدنيا ومع ذلك يجد أن هناك متعة إضافية فضلا عن المتعة التي يجدها آحاد الناس الذي يشعر بحرارة الإيمان في قلبه يجد متعة لتفاصيل هذه الحياة التي يعيشها أكثر مما يجدها الآخرون إذاً هناك حياة القلب، هناك أيضا دعوة هي الآية الكريمة قد يكون فيها دعوة إلى حياة العقل، لأن القرآن من بين جميع الكتب هو القرآن جاء خصيصا ليدعو الناس ليستخدموا عقولهم، حتى عندما يحتج عليهم على المشركين وغيرهم يستشهد بالعقل ويحتج بالعقل ويأمرهم بالاحتكام إلى العقل، بل أكثر من ذلك {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا..}[سبأ:46] لأن العادة أن الناس يتأثرون بالجو المحيط بهم والروح الجماعية والعقل الجميع كما يقولون فهنا دعوة للإنسان أن ينفصل عن المحيط وعن المؤثرات وعن الثقافات السائدة ويكون واحدا أو اثنين ويتفكرون بطريقة بعيدة عن الضغوط، إذاً القرآن يطلق العقل من أسره ويمنح العقل حرية أن يفكر وأن يصل إلى النتائج ولذلك الإسلام لا يخاف من التفكير ولا يخاف من العقل لأنه يؤمن أن العقل الراشد العقل السالم من الهوى هو يصل إلى القرارات السليمة في الإيمان بالله وفي تحقيق المعاني الصحيحة بل وفي تحقيق مصالح الدنيا. وأيضا أنا أفهم من الآية الكريمة أنه حتى الحياة بشكلها وصورتها المادية هي داخلة في الآية الكريمة، يعني في القرآن الكريم الله سبحانه وتعالى يقول {..وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيما }[النساء:29] وفي الحديث الصحيح الرجل الذي قتل نفسه يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي "عبدي بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة" نحن نقول الانتحار ليس كفرا بحد ذاته لكنه جريمة مثل قتل الإنسان للآخرين، وقتل الإنسان لنفسه هو ذنب عظيم. القرآن جاء ليحافظ على الحياة ليجعل الحياة ذات قيمة ذات قدسية إنها منحة من الله أو وظيفة لا تقبل الاستقالة، ما يجري الإنسان يقول له أريد أن أستقيل مثلا من الحياة أو تعب منها لأنه في ظل الإيمان بالله سبحانه وتعالى سيجد حلا لكل المشكلات، فهناك حتى في الجانب المادي جانب الحياة المادية الآية الكريمة فيها دعوة إلى أن نحيا {..دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ..} يعني أن تحافظوا على حياتكم من الموت من القتل من الانتحار أيضا تحافظوا على حياتكم من كل ما يضر بها، ولذلك مثلا ممكن ندخل في هذا المعنى تحريم تعاطي المحرمات المخدرات السموم الأشياء الضارة الأدوية الضارة الأطعمة الفاسدة وغير ذلك مما يؤثر على صحة الإنسان وعلى بدنه وعلى حياته.
عثمان عثمان: هل تشمل المعنى الإيجابي بمعنى رغد الحياة ورغد العيش في هذه الحياة؟
سلمان العودة: أكيد هذا، يعني أنا أقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام يعني مرة لما خرج وكان جائعا ووجد أبا بكر وعمر وذهبوا إلى أحد الأنصار فذبح لهم ذبيحة وأحضر لهم قنوا من التمر وأكلوا وأحضر اللبن وشربوا وظل ظليل وماء عذب، النبي صلى الله عليه وسلم أكل وشرب واستمتع بهذا وقال يعني ما نحتاج كل هذا بعضه يكفي، ثم قال صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}[التكاثر:8] ساق هذه الآية الكريمة، أنه أخرجكم الجوع ثم أنتم وصلتم إلى هذا الطعام الطيب. ولذلك أقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يترك شيئا من النعيم الدنيوي لأنه نعيم أو شيء من الطيبات لأنه طيبات وهنا يقع خلل في مفهوم الزهد، يعني عند كثير من الناس، فأنت تجد الرسول عليه الصلاة والسلام يعني أكل وشرب ونام واستمتع بالطيبات وبالمباحات وفي القرآن الكريم = {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ..}[الأعراف:32]، ففي الدنيا يخالطهم فيها غيرهم بينما في الآخرة هم ينفردون بها عمن سواهم. فالنبي عليه السلام كان لا يتكلف مفقودا ولا يرد موجودا، وهنا أود أن أشير إلى معنى يعني كثيرا ما نقول نحن بأن الرسول عليه الصلاة والسلام مات ودرعه مرهونة عند يهودي على طعام اشتراه لأهله، وكثيرا ما نقول الرسول عليه الصلاة والسلام نام على حصير أو سرير فأثر السرير في جنبه عليه الصلاة والسلام لأنه لم يكن عنده غطاء يقي جسده الطاهر من أثر السرير أو الحصير، ولما دخل عمر كان في غرفة النبي صلى الله عليه وسلم أُهب معلقة، جلود معلقة، كان في تواضع، هذا معنى لكن أيضا لا ننسى أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يمت حتى فتح الله عليه الأرض وخيبر وفدك والنخيل والخير والبركات والخيرات لكن النبي صلى الله عليه ومسلم عود نفسه على مستوى متواضع من العيش حتى لا يندفع وحتى يكون قدوة وأسوة لمن لا يجد لكن هذا لا يعني أبدا أن النبي عليه السلام كان لا يجد ذلك، وسع الله عليه في الحياة، وأيضا لا يعني أنه كان يمتنع منها وإنما كان يستمتع بالطيبات منها وإنما يقدم الفقير والمسكين والمحتاج.
دور القرآن في حياة الإنسان بين الواجب والواقع
عثمان عثمان: فضيلة الدكتور حتى نعود إلى صلب الموضوع نتحدث أن القرآن ربما وصفه البعض بأنه كتاب حياة، هو حياة للروح للعقل وللجسد ولكن للأسف الشديد يعني هناك آية في كتاب الله عز وجل جاء فيها قوله عز وجل {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً..}[يس:70] هذه السورة التي تتحدث عن الحياة بهذه الشمولية التي ذكرتموها..
سلمان العودة: اللي هي سورة ياسين.
عثمان عثمان: سورة ياسين. يعني غالبا ما تقرأ على الموتى أو مرتبطة بالموتى.
سلمان العودة: صحيح. وحتى القرآن يعني في كثير من البيئات الإسلامية تجد أن قراءة القرآن غالبا إنما يقرآ في العزاء في التعازي وأحيانا يحضر شخص بمقابل مادي حتى يقرأ القرآن الكريم على روح الميت فلان مثلا.
عثمان عثمان: يعني كيف نفسر هذه المفارقة؟
سلمان العودة: هذه مشكلة صعبة جدا، يعني الكثير من المسلمين اليوم القرآن أصبح عندهم يقرأ في العزاء يقرأ في حالة الاكتئاب بل حتى النغم القرآني أصبح الكثيرون يربطونه بحالة الكآبة التي قد يشعرون بها ولذلك لا يحبون أن يسمعوه إلا أن يكونوا في حالة حزن حقيقي مثلا موت أحد أو مصيبة أو نازلة تنزل بالفرد أو بالجماعة تجد إذا نزلت مصيبة أيضا قنوات البلد ومحطات التلفزة وغيرها تحول أياما إلى قراءة القرآن الكريم، هذا المعنى ليس الإشكال فيه أن يسمع الناس القرآن ولكن ربط القرآن بمعنى الموت والمصائب والاكتئاب لا شك أنه معنى سلبي، أيضا الكثيرون لا يقرؤون القرآن أو لا يسمعونه إلا إذا كان في حالة مريض يقرأ عليه أو تلبس أو ادعاء تلبس أو حالة النزع مثلما تفضلت البعض يقرؤون سورة ياسين وإن كان ورد في هذا..
عثمان عثمان: هناك أثر نبوي في هذا الموضوع.
سلمان العودة: إيه نعم في آثار، لكن شوف هناك سورة تبارك الذي بيده الملك، أنا أتعجب من هذه السورة وفيها جواب سديد على ما تفضلت فيه يعني الله سبحانه وتعالى في صدر السورة أو النبي عليه الصلاة والسلام قال عن هذه السورة "إنها سورة من كتاب الله عز وجل ثلاثين آية ما زالت بصاحبها حتى أنجته من عذاب القبر" هذا حديث رواه أهل السنن وسنده صحيح، هي المنجية، هي سورة تبارك الذي بيده الملك، هذه السورة التي تنجي صاحبها من عذاب القبر لم يجعلها النبي عليه الصلاة والسلام تقرأ على الموتى أو تقرأ على القبور وإنما جعل الإنسان يقرأها في مساء كل ليلة وهذه السورة في صدرها قوله الله سبحانه وتعالى {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ..}[الملك:2] أنا هنا أفهم أنه قدم الموت وأخر الحياة لأن الموت هو البداية لكن الحياة هي الاستمرار والبقاء، الإنسان كان ميتا ثم أحياه الله سبحانه وتعالى، فالحياة هناك حياة أبدية سرمدية ولذلك حتى بعد الدنيا هناك الحياة الآخرة، ثم لما قال {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ..} قال {..لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً..}[الملك:2] هنا لاحظ الإبداع لاحظ التقنية لاحظ الجودة ما يسمى بنظام الجودة اليوم الإبداع في الأشياء، النبي عليه الصلاة والسلام يقول "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عمل أن يتقنه" فهنا لم يقل أيكم أكثر عملا وإنما أحسن ما يدل على أن المقصود هنا أن الموت والحياة خلق حتى نبدع ونتقن في هذه الحياة الدنيا، أنا هنا يخطر في بالي معنى، طبعا من كمال الحياة وامتدادها أن يكون الإنسان محسنا {..وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة:195] ولذلك لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد حر يموت بموته بشر كثير، يعني إنسان ينفع الناس سواء كان في وظيفته وسلطانه أو في ماله أو في خدمته أو في أي نفع ينفع فموته موت لكل المستفيدين منه، هنا تلاحظ يا أخي قضية مهمة جدا قضية الإبداع الآن، ابتكار السيارة، لوبسن هو الذي ابتكر السيارة، تخيل كم من الأجر حتى من دون نية سيكون له كلما استفاد إنسان من هذا المنجز أو القلم أو جهاز الحاسوب أو الأجهزة التي يستخدمها الناس في الاتصالات أيا كانت أو أي تقنية من التقنيات أو المكيفات التي فيها تسهيل للحياة البشرية فيها خدمة الإنسانية، هنا سيكون الإنسان يعيش حيوات مضاعفة حياة واحدة ما تكفي.
عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني انطلاقا مما ذكرتم الآن ربما القرآن أصبح غالبا ما يقرأ في المناسبات الحزينة في الموت بشكل أساسي هذا القرآن الذي أثر في الرعيل الأول فغير حالهم من حال إلى أخرى لماذا الآن يغيب عن واقع الحياة العملية عن واقع الحياة الاقتصادية الاجتماعية، كيف نعيد هذا القرآن ليأخذ دوره في حياة الناس، ما السبل الكفيلة بهذه العودة؟
سلمان العودة: أعتقد أن أهم سبيل أو ممكن نقول إن السبل يعني تقريبا هما سبيلان في نظري، السبيل الأول الذي هو قراءة القرآن نفسه بهذه الروح يعني الجيل الأول كيف كان يقرأ مثلا لو تقرأ من {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2] سورة الفاتحة {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}[الفاتحة:6] ستفهم أن الصراط المستقيم هنا هو الصراط المعتدل الذي لا ينحاز للروحانيات وينغمس فيها ويبتعد عن المادة ولا يستجيب أيضا لنزعات المادة ويهمل جانب الروح وإنما يعطي توازنا بين هذه المعاني، لما تنتقل إلى سورة البقرة مثلا {..وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[البقرة:3] إذا كان هذا الإنسان ليس لديه قدرة ولا مال ولا غنى من أين سينفق، لما تقرأ قول الله تعالى في نفس السورة {..رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً..}[البقرة:201] يعني هنا تلاحظ أن الدنيا والآخرة ليس فيه ازدواجية أو تناقض وأن الإنسان من أراد الدنيا فكأنه يتخلى عن الآخرة بل العكس طريق الآخرة يمر بالحياة الدنيا ذاتها، يعني شيء عجيب أنه مثلا ما يتعلق في سورة البقرة الحج مثلا يقول الله سبحانه وتعالى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ..}[البقرة:198] وهم في الحج يعني لا مانع أن تشتغلوا في التجارة بمصالح الدنيا وأنتم في الحج، فيما يتعلق بالصلاة التي هي أعظم الأركان العملية للإسلام تجد في سورة الجمعة {..إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ..}[الجمعة:9] فإذا قضيت الصلاة، الصلاة تأخذ وقتا محدودا عند الإنسان، إذا قضيت الصلاة أين يذهبون؟ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً..}[الجمعة:10] طبعا هنا الابتغاء من فضل الله معناه التجارة والضرب في الأرض في الزراعة في العمل في المصالح الدنيوية، إذا دخل النبي عليه السلام المسجد كان يقول "الله إني أسألك من رحمتك"..
عثمان عثمان: هذا العامل الأول.
سلمان العودة: هذا العمل الأول، لكن إذا خرج كان يقول "اللهم إني أسألك من فضلك" لأن هنا ينتقل الإنسان إلى المصالح الدنيوية التي جاء الإسلام، هو فطرة عند الإنسان أن يبحث عن هذه المصالح يقينا لكن جاء الإسلام ليعزز هذا المعنى وليؤكد أنه لا يوجد أي تناقض بل على العكس يعني بقدر ما يكون عند الإنسان من العلم بقدر ما يكون عنده من المال بقدر ما يكون عنده من الأداء الوظيفي الجيد تكون منزلته في الآخرة عند الله سبحانه وتعالى.
عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني أعود للتركيز على هذه النقطة لأنها ربما مفيدة في حياتنا اليومية، الصحابة عندما كانت تنزل آية لتحريم أمر ما تحريم الخمر مثلا وجدنا شوارع المدينة تمتلئ بالخمر حتى تبقى الرائحة ربما أيام معدودة، الآن نسمع النداء نسمع الخطاب القرآني نسمع الأمر والنهي وكأن الأمر لا يعني المسلم بشيء ما.
سلمان العودة: مظبوط يعني هذا سؤالك السابق يعني تأكيدا عليه أنه بالنسبة للاستجابة كيف يمكن أن يكون؟ أنا أقول لو قرأنا القرآن بهذه الروح، يعني هب أن إنسانا يقرأ القرآن هذه المرة وهو يقول أريد أن أبحث عما يتعلق على سبيل المثال بموضوع الدعوة إلى الحياة، مثلما مثلنا، الدعوة إلى الحياة في القرآن الكريم، كل آية فيها دعوة إلى الحياة بكل معاني الحياة حياة الروح وحياة العقل وحياة الجسد حياة الفرد حياة الجماعة حياة الأسرة حياة الذات حياة الآخرين، حتى لو الإنسان جمعها في ورقة ووجد أنه أمام شيء هائل ربما هنا سيكون أمام اكتشاف أنه يكتشف معاني قرآنية لأول مرة أنه يقرأ القرآن بهدف البحث عن دعوة القرآن للحياة، إذا كان الله سبحانه وتعالى يقول {اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ..} هو هذا القرآن الذي دعاكم لما يحييكم، طيب أنا أريد أن أبحث أين دعاني الله تعالى إلى ما يحييني، ما هذا الشيء الذي يحييني، كيف أستجيب له؟ وكذلك أنا أقول العكس الأمر الآخر أنه لو عشنا الحياة ونحن نستحضر المعنى الإيماني يعني هنا مثلا الإنسان حينما يكون مع زوجته في البيت ويشعر بأنه بقدر ما يقدم لها أو هي أيضا تشعر بأنه بقدر ما تقدم له من الحب والوداد والسعادة والأنس أن هذا مما دعانا الله تعالى إليه لأنه مما يحيينا حيال الأسرة هنا، أو لما يحضن الإنسان طفله لا يحضنه فقط بدافعه الفطري يمكن الدافع الفطري أحيانا يخون، وتعرف قصة الأعرابي الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن والحسين قال إن عندي عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم، هنا الإسلام يفجر ينابيع العاطفة في النفس والعاطفة هنا موجودة فقط يمكن عليها غبار أو رمل صحراء يتم إزالته حتى يستوعب هذا الإنسان مثلا يحضن طفله وهو يشعر بأن الله في عليائه وفوق سماواته يحب مثل هذا العمل أو يحسن إلى فقير أو مسكين، أخي أنا ألاحظ أن اليوم في سؤال كثير ما يطرح هل هناك من يعمل الخير لذات الخير من دون ما تكون عينه على مصالح، يمكن يقدم لك مصلحة وهو يتوقع أنه يحتاجك يوما من الأيام، هذا مفروغ منه لكن إذا كان الإنسان لا يتوقع أن هناك مصلحة تناله من وراء هذا الخير هل سيقدمه لك؟ أشك إلا في حالة واحدة إذا كان هذا الإنسان يعني وضع في اعتباره ما عند الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى في حال أبو بكر الصديق {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى}[الليل:17- 21].
عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني غالبا ما يرتبط في أذهان المسلمين قراءة القرآن بالأجر الأخروي، البعض ربما يطرح كيف يمكن أن ننتقل من قراءة بالمعنى التجاري كسب الأجر والثواب إلى القراءة بمعنى الاسترشاد والاستيضاح والتوجيه والدلالة في الحياة؟ أسمع منكم الإجابة إن شاء الله على هذا السؤال بعد وقفة قصيرة، فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.
[فاصل إعلاني]
قراءة القرآن من التجارة إلى فهم الحياة وعيشها
عثمان عثمان: أهلا ومرحبا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان القرآن للحياة مع فضيلة الشيخ الدكتور سلمان العودة المشرف على مؤسسة الإسلام اليوم. فضيلة الدكتور كما ذكرنا يعني غلبت على أذهان الكثيرين من المسلمين فكرة أن القرآن مرتبط فقط بالأجر يعني البعض يتساءل كيف يمكن أن نتجاوز هذه القراءة التجارية إلى موضوع أن نقرأ القرآن لنستفيد منه لنتعظ منه لنتوجه بتوجيهاته.
سلمان العودة: أولا أنا أرى أنه لا تحفظ على كلمة تجارية، يعني أنت قلتها وأنت تبتسم، ومع ذلك أنا أقول هي صحيحة لأنها هي تجارة.
عثمان عثمان: تجارة مع الله عز وجل.
سلمان العودة: مع الله يعني أيضا هي كذلك {..يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}[فاطر:29] لكن أيضا التجارة مستويات ودرجات والحسنة أحيانا تكون بحسنة وأحيانا بعشر وأحيانا بمائة وأحيانا بـ 25 وأحيانا بما لا يحصيه إلا الله سبحانه وتعالى ولذلك أقول إن مسألة القراءة للأجر فيها حديث "من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، لا أقول "ألم" حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" هذا معنى صحيح ولكن أيضا عندنا في الحديث النبوي قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي وأهل السنن وهو حديث صحيح، يقال لقارئ القرآن يوم القيامة "اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا" هنا أولا لاحظ اقرأ وارق، القراءة رقي كما أن القراءة رقي في درج الجنان، القراءة رقي في درج الإيمان، لأن القراءة الصحيحة تزيد الإيمان، القراءة رقي في درج المعرفة التفوق ولذلك الحقيقة الذي يقرأ القرآن وفي باله هذا المعنى يدري أن الرقي هنا ليس بترديد ألفاظ كما لو كانت هذه الألفاظ ألغازا أو كلمات أعجمية لا يفهمها وإنما القراءة هنا القراءة التي ينفتح عليها القلب والعقل، القراءة الواعية، الله سبحانه وتعالى يقول {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً..}[المزمل:6] يعني تواطؤ جميع فعاليات الإنسان، عقله وروحه وقلبه ووجدانه يتجه إلى هذه القراءة هنا يستفيد منها ويرتقي، فهنا يقال له اقرأ وارق، في الدنيا كذلك الترقي الدنيوي هو من خلال هذا اللون من القراءة الواعية. اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، لاحظ هنا الترتيل، الله سبحانه وتعالى يقول {..وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}[المزمل:4] ولذلك النبي عليه السلام كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها، أحيانا أنا أطرح على بعض طلابي سؤالا، أيها أفضل أن تقرأ وجهين من القرآن الكريم مرة واحدة أو أحيانا تقرأ الوجه هذا نفسه مرتين أو ثلاث أو أربع مرات بقدر من التركيز؟ إذا كنا نعرف إن القرآن نزل للتدبر وأصلا الثواب الذي جعل على القراءة هو لحفز الناس حتى يقرؤوا لأن القراءة سوف تدعوهم إلى أن يتدبروا، وحتى الإنسان الذي لا يتدبر لا بد أن يكون في آيات تمر عليه بحيث إنها مزلزلة تؤثر فيه شاء أم أبى حتى لو كان في حالة غفلة، إنما التدبر هنا يعني اكتشاف معاني داخل النص. أنا أقول إن القرآن الكريم يعني معجز ومن إعجازه أن الإنسان يقرأ السورة، أنا مثلا سورة الفاتحة وأنت نقرأها باستمرار، حقيقة أنا أقولها عن نفسي ما قرأت هذه السورة وأنا حاضر القلب في الفريضة في الصلاة إلا وجدت هناك معان جديدة تنقدح في ذهني حول هذه السورة وهي معاني أحيانا الإنسان يقطع بأنها معان صحيحة ولكن كان المرء غافلا عنها، فالقراءة هنا كيف تستطيع أنها تستثير تثير ولذلك في معنى يعني ابن مسعود نقل عنه مسألة ثوروا القرآن، يعني أن القرآن من شأنه أن يثير كثيرا من المعاني المستسرة أو الموجودة داخل النفوس.
عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني كما ذكرنا القرآن كما وصفه البعض هو قرآن حياة، ما المفهوم الذي يقدمه كتاب الله عز وجل لهذه الحياة بشكل عام؟
سلمان العودة: هو طبعا هنا الحياة حياة طيبة {..فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً..} فالحياة هي حياة العدل، الحياة حياة الأخلاق، الحياة المتكاملة التي يدعو إليها الله سبحانه وتعالى ويدعو إليها الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك يعني بيت الشعر المعروف شوقي لما يقول أخوك عيسى -يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام- دعا ميتا فقام له وأنت أحييت أجيالا من العدم. هنا يعني الحياة الفرد هذا شيء واضح لأنه من دون أن يكون عند الإنسان هدف في الحياة ومعنى ربما تستوي عنده الحياة والموت كذلك حياة المجموعات والأسر هنا سيكون فيه {.. فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً..}[البقرة:200]، حياة الأمم الآن العالم العربي والإسلامي أشد ما يكون بحاجة إلى مشروع نهضة في مواجهة التحولات العالمية في مواجهة التأثير الضخم، في الماضي كنا نتحدث عن الغرب الذي غزانا واحتل ديارنا لكن الآن الناس يتحدثون عن الغرب بتلك الروح القديمة ويتحدثون في المقابل عن الغرب بصورة أخرى، الغرب المتفوق الغرب المنجز الغرب المبدع الغرب المبتكر الذي أصبح الواحد منا يعني لا يستغني حتى في عبادته في صلاته في حجه في عمرته في مساجدنا في تصرفاتنا لا نستغني عن هذه المنتجات التي هيمنت واستحوذت فهنا الحاجة أن نستلهم من القرآن مشروعا لحياة لدولنا لشعوبنا لمجموعاتنا يعني من شأنها أن تحقق هذا النموذج وهذا المشروع يعني أعتقد أن هذا جزء من الحياة التي يدعونا إليها القرآن.
عثمان عثمان: يعني في ضوء تلك الحياة كيف نفهم قول الله عز وجل {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}[الإسراء:72] الآية التي ذكرناها أيضا في بداية الحلقة {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه:124] نرى اليوم من هو على غير الإسلام من الكافرين ويعيش هذه الحياة الرغيدة والحياة التي فيها كل الرفاهية.
سلمان العودة: نعم، لاحظ أن القرآن يصدق بعضه بعضا، أولا مثلا قول الله سبحانه وتعالى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:46] ولذلك ممكن تجد إنسانا يعيش حياته مبدعا ولكنه فيما يتعلق بجانب الآخرة وجانب الإيمان بالله وجانب الغيب تجد فيها أنه ربما بعيد كل البعد عن المعاني الصحيحة، أنا رأيت مهندسين ورأيت عباقرة وفلاسفة فيما يتعلق بجوانب الحياة الدنيا والإبداع شيء مذهل ثم تجد الواحد منهم يخر ساجدا إلى تمثال هو الذي قام بصناعته، هنا تلاحظ أنه في انحطاط عن مستوى الإنسانية، أيضا لاحظ في القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً}[الانشقاق:13] من الخطأ أن نظن أن المتعة في الحياة هي خاصة بالمؤمنين، كيف والله تعالى يقول {..وَمَن كَفَرَ..}[البقرة:126] لما قال إبراهيم {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ..} الله تعالى قال {.. قَالَ وَمَن كَفَرَ..}[البقرة:126] وقال {..هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ..}[الأعراف:32] يعني غيرهم يشاركهم، إذاً علينا أن ندرك أن حتى غير المسلم من رحمة الله أن الله وسع خلقه رحمة وعلما في هذه الحياة الدنيا ولذلك يرزقهم ويعطيهم ويمنحهم الذرية والسعادة والمتعة، تلاحظ كثيرا منهم يضحكون ملء أفواههم ويستمتعون بالأكل ويمكن أن أكثر منا وبالشرب وبالسفر وبالسياحة وبالمناظر الجميلة، هم أفرطوا في هذه الحياة الدنيا ولكن لا مانع أن نقول إنه في المقابل المسلمون اليوم خاصة في العصور المتأخرة عصور التخلف والجهل يعني أفرطوا أيضا في الاستمتاع في هذه، يعني فرطوا في الاستمتاع بالحياة الدنيا وقصروا في ذلك أشد التقصير وربما نسبوا ذلك أو ظنوا أن ذلك من إيحاءات القيم الدينية وروجوا بعض المفاهيم التي لا تكون صحيحة، أنا مرة من المرات ذكرت الحديث الذي يروى "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالما ومتعلما" قلت يستحيل أن يكون هذا حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فكيف تلعن الدنيا؟ الأرض لا يمكن أن تلعن وهي التي عليها مستقر الناس، الزمان والمكان والليل والنهار لا يمكن أن يلعن {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً}[الفرقان:62] الناس الموجودين على هذه الأرض، الحيوانات المخلوقات النبي عليه السلام قال في إحدى المعارك لا تصحبنا ناقة معلونة لما سمع امرأة تلعن ناقتها، إذاً النبي لا يلعن الدنيا ولا يلعن الحياة وإنما هنا الذم الوارد في القرآن والسنة يذهب إلى الظلم الذي يحدث من بعض البشر أو العدوان أو الطغيان أو ما أشبه ذلك من الجرائم والانحرافات هذه هي التي يقع عليها الذم.
عثمان عثمان: فضيلة الدكتور طبعا القرآن هو أيضا كتاب هداية، من ملامح هذه الهداية عمل الصالحات التي تؤدي إلى الحياة الطيبة كما قال الله عز وجل {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً..} وقد قرأتم الآية، طبعا من ملامح هذه الهداية ومن مظاهرها أيضا الزينة، كيف تعامل القرآن مع هذا الوصف ومع هذه الحالة؟
سلمان العودة: أنا أعتقد أن القرآن فعلا إذا سلم الإنسان نفسه للقرآن فعلا بمعنى الاستسلام بعيدا عن الإيحاءات الذاتية والمسبقة هنا القرآن يصنع الإنسان المتوازن الذي يجد متعة الحياة، أجزم جزما أن الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم قادة البشرية هم أكثر الناس يعني استمتاعا بالحياة بالزوج بالولد بالشيء البسيط حتى لو كان بسيطا لأن الإنسان إذا كان من داخله يشعر بالسعادة كل الأشياء البسيطة التي من حوله يجد لها متعة، لكن إذا كان الإنسان مهموما أو كئيبا أو متعبا من الداخل لن يجد طعما للأشياء كلها حتى لو جمعت بين يديه، ولهذا نقول إن السعادة هي من الداخل وليست من الخارج أو من الأشياء التي حول الإنسان، فهنا يعني الحياة الطيبة هي في هذه الروح التي يجدها الإنسان، طبعا ضمن الحياة الطيبة أنت تفضلت بموضوع مثلا الزينة..
عثمان عثمان: الزينة موضوع الجمال.
سلمان العودة: الجمال. يعني هنا {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً..}[النحل:8] والله عز وجل جعل النجوم زينة للسماء {..وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ..}[فصلت:12] إذاً الزينة هنا نلاحظ أنها مقصد إلهي في الخلق، يعني الله خلق الشمس لمصالح معلومة لكن ضمن هذه المصالح مبدأ الزينة ومبدأ الجمال وكذلك النجوم وكذلك القمر، يعني القمر قبل ما يكتشفوا طبعا أنه عبارة عن وهاد وتراب وصخور يعني فما على وهده غير التراب وعلى الأهاضيب غير الصخر ينحطب، بعدما ذهبوا إلى القمر، لكن دائما الشعر العربي مشحون بقضية تمثيل الوجه الجميل بالقمر وفلقة القمر، حتى النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الشاعر
نبي رماه الله بالحسن يافعا على وجهه من كل مكرمة صور
كأن الثريا علقت في جبينه وفي خده الشعرى وفي وجهه القمر
لكن هنا الزينة هذا مقصد إلهي رباني خلق الزينة في السماوات وفي الأرض وفي النجوم وفي الأفلاك وفي النباتات وفي البر وفي البحر وفي خلق الإنسان ذاته، هذا المعنى أنه مقصد إلهي في جانب الاعتبار في جانب الإيمان بالله في جانب الإيمان بحكمة الله، في جانب الإيمان بالمعنى الذي ذكره النبي صلى الله وسلم لما قال الصحابة يا رسول الله أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، هؤلاء الذين رباهم محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يهتمون باللباس وبالثوب ويقولون هذا أمر بديهي فالنبي عليه السلام ماذا قال لهم؟ قال لهم إن الله جميل يحب الجمال، فلاحظ أن هذا انعكاس لمعنى أن الله جميل فهو يحب الجمال ولذلك جعل في خلقه الجمال ولا يشاء الإنسان يبحث عن الجمال فيما خلق الله تعالى إلا وجده، فهنا كون الإنسان يشاهد هذه الزهرة أو هذا المنظر الذي يراه لأول مرة أو خرير الماء ثم يتعجب ويقول سبحان الله! لاحظ الإحساس بالجمال استنطق الإنسان في التعبير عن تسبيح الله تعالى الذي خلق هذا الجمال وخلق في الإنسان تذوق الجمال، كذلك ما يتعلق بالصوت، يعني الإسلام ليس عنده مشكلة مع الجمال سواء كان جمالا في الطبيعة أو في الحياة الإنسانية أو في الأصوات ما لم يكن مدعاة إلى المحرم والرذيلة، والله سبحانه وتعالى يقول {..يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ..}[فاطر:1] بعض المفسرين قالوا إن المقصود حسن الأصوات وقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أذن الله لشيء أذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن، يجهر به.
الرؤية القرآنية لمفاهيم القتال والجهاد والقوة وإقامة الحد
عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني هناك شبهات ربما تساق عندما يكون الحديث على أن القرآن كتاب حياة، من هذه الشبهات زعم أن القرآن حرض أو دفع أو حبذ موضوع القتال والعنف، ما الرؤية القرآنية لمفهوم القتال؟
سلمان العودة: هذه يعني رؤية عظيمة جدا وهذه من الأشياء التي يعني عندما يقرأها الإنسان يجد أنه بالضرورة ينساق إلى فهم في تقديري أنه شديد الوضوح، يعني مثلا الله سبحانه وتعالى قال {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة:190] الآيات التي فيها الدعوة إلى القتل والقتال {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ..}[محمد:4] يعني هنا أين لقيتموه؟ في الشارع ولا في البيت ولا في المنزل؟ قطعا لا، يعرف كل من يقرأ القرآن أن هذه السياقات كلها تتحدث عن يوم اللقاء الذي هو يوم الحرب، والحرب هذه شريعة ربانية وأيضا هي فطرة إنسانية، قل أي حضارة من الأمم الآن نحن الحرب العالمية الأول والثانية حرب العراق حرب غزة حرب أفغانستان يعني الحروب هي جزء من الحياة البشرية، لكن هل الإسلام يتشوف إلى الحرب وإقامة الحرب وسفك الدماء؟ أنا أقول لا، الإسلام يعتبر الحرب هي حالة ضرورة، وكلما أمكن تداركها وتجنبها كان الإسلام يتشوف إلى هذا المعنى بشكل كبير والتطبيق النبوي نفسه، يعني أولا يعني الله سبحانه وتعالى قال {..حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا..}[محمد:4] ما يدل على أن هناك تطلعا أن تضع الحرب أوزارها وتنتهي هذه المعاناة الإنسانية التي يذهب فيها الأبرياء والأطفال والنساء وتدمر الحياة الإنسانية وتسيء إلى ما أشاده الإنسان، لكن شوف تطبيقات الرسول عليه الصلاة والسلام، يعني النبي عليه السلام مكث 13 سنة في مكة يضرب هو وأصحابه ويرمى عليه السلى وتصادر أموالهم وتحارب الدعوة ومع ذلك قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة، هذه نبي نحسبها، هذه 13 سنة، هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أول حرب واجهها النبي عليه السلام ما هي؟ معركة بدر هل كانوا متطلعين ومتحمسين أن هؤلاء الناس الذين طردونا وأخرجونا من ديارنا آن الأوان أن ننتقم منهم؟ هذا شيء يتعجب منه الإنسان، يعرض نفسه على القرآن..
عثمان عثمان: {..وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ..}[الأنفال:42]
سلمان العودة: نعم، وفي نفس الآية والسياق يقول {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ..}[الأنفال:7] فيسجل الله أن الصحابة الذين هم أوفى الناس لهذا الدين ما كانوا يتمنون الحرب، حرب بدر، وإنما كانوا يتمنون الشيء الآخر وهو أن يحصلوا على الأموال والغنيمة التي يأخذونها مقابل ما خسروا من أموالهم في مكة. هذه أول معركة، ثم بعد ذلك يعني بأربع سنوات أيضا صلح الحديبية الذي وقع النبي صلى الله عليه وسلم فيه مع المشركين على عقد يعني معروف أن من جاء من المشركين إلى النبي عليه السلام فإنه يرده ومن جاء من النبي عليه السلام إلى المشركين فإنهم يقبلونه وتضع الحرب أوزارها عشر سنين ويعودون دون أن يعتمروا في تلك السنة ليعتمروا من العام القادم إلى آخر ما هو معروف، ومع ذلك النبي عليه السلام قبل كل هذه الشروط التي آذت رجالا مثل عمر بن الخطاب يا رسول الله ألسنا بالمسلمين، أليسوا بالمشركين، ألست رسول الله، علام نعطي الدرية في ديننا؟! الطائف حاصرها ثلاثة أيام ثم انصرف منها النبي عليه الصلاة والسلام وأعجب ذلك الصحابة بسبب جراح بسيطة أصابتهم، أنا أقول أخي عثمان هذه قضية فعلا خطيرة ومهمة لا يوجد في الإسلام حروب مفتوحة.
عثمان عثمان: وماذا عما يسمى يعني جهاد الدفع أو جهاد الطلب بالذات؟
سلمان العودة: طبعا يعني جهاد الدفع هو شيء متفق عليه بجميع شرائع السماء وقوانين الأرض {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج:39] وهنا الدفاع عن النفس والدفاع عن الأرض والدفاع عن العرض..
عثمان عثمان: هذا شيء طبيعي مفروض.
سلمان العودة: هذا شيء طبيعي ومفروض ونحن نجد، يعني فييتنام لم تكن إسلامية وإنما كانوا شيوعيين ومع ذلك قاتلوا حتى حرروا بلادهم، فأنا أعتقد أنه هنا في ظل وجود العدوان، نتمنى أن تكون الحياة البشرية من أحسن ما يكون لكن الواقع يؤكد أنه ليس الناس كذلك وهناك مصالح سياسية ومطامع وطموحات وتطلعات وتوسع لكثير من الدول.
عثمان عثمان: يعني ما المقصود بجهاد الطلب إذاً؟
سلمان العودة: هو طبعا فكرة الدفع والطلب هذه فكرة ناشئة يعني ليس في القرآن الكريم ولا في السنة ولا في كلام الأئمة المتقدمين فكرة دفع وطلب، وإنما كان في الحديث عن الجهاد وتقدير الجهاد هنا يعود إلى الإمام المسلم وأيضا طبعا الجهاد هنا مثلا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين من المعلوم أنه لم يكن هناك أي اتفاقيات قائمة بين الدول كانت القصة قائمة على أن القوي يغلب الضعيف ويستولي عليه، العرب كانوا يعني بعضهم مع الفرس وبعضهم مع الروم، يعني الصحابة كانوا يتحدثون أن بعض الدول المجاورة كانت تستعد للهجوم عليهم ولذلك العالم لم يكن عالما وإلى وقت قريب، ولكن إذ وجد وضع فيه استقرار وفيه أمن وفيه عهود ومواثيق صحيحة ويحترمها الناس الإسلام سيكون مؤيدا ومباركا لهذا. أنا أضرب مثالا ربما ليس بعيدا عن موضوع القتال، موضوع الاسترقاق، الاسترقاق كان نظاما بشريا اقرأه في أوروبا وفي الصين وفي الهند وفي كل مكان ولذلك المسلمون كانوا جزءا من ذلك، الإسلام وضع نظاما للرقيق ولكن هذا النظام من الواضح جدا أنه يتشوف إلى تحريرهم بكافة الوسائل مما معروف الفقه الإسلامي من تحرير الرقيق في عدد من حالات الأخطاء التي يرتكبها الإنسان، ومع ذلك فرض التعامل الإنساني أن يطعمهم مما يأكل ويلبسهم مما يلبس ولا يشق عليهم ولا يؤذيهم وإذا وجد حالة مثلما حصل الآن حالة تحرير الأرقاء وإلغاء هذا المعنى أنا أعتقد أن الإسلام يرحب بهذا المبدأ ويستجيب له لأنه يتناسب مع الروح والقيمة الإيمانية.
عثمان عثمان: يعني في سياق موضوع الشبهات أيضا هناك دعوة في القرآن الكريم إلى إقامة الحد وقد يكون الحد هو القتل {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:179] يعني كيف يكون هناك قتل وتكون في نفس الوقت حياة؟
سلمان العودة: هو حياة، لاحظ السياق القرآني يعني العرب كانوا يقولون في جاهليتهم مثلما الرافعي في كتابه "وحي القلم" قارن بين الآية الكريمة وبين قول العرب "القتل أنفى للقتل" فجعل أن العرب يعني القصة عندهم قتل وقتل، بينما في القرآن عبر بهذا التعبير الجميل اللطيف {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يعني أنا مرة لقيت واحدا من الاتحاد الأوروبي تلفزيون الاتحاد الأوروبي وسألني في قضية الحدود فيما يتعلق بالزنا، فأجبته عددا من الإجابات وكان من ضمن ما قلت له إنه يعني أن يكون هناك حد رادع ولا يطبق إلا في أضيق الحدود وفي ظل وجود أدلة قاطعة ووجود استخفاف أيضا بقيمة الإنسان وقيمة المجتمع في الإظهار والإعلان للفاحشة، هنا أنت تحافظ، يعني قد يموت واحد ولكنك ستحافظ على مئات الآلاف من الأرواح ونجد اليوم ما يتعلق بمرض الإيدز مثلا وما يؤثره في كثير من الناس الذين يموتون بالملايين كل عام.
عثمان عثمان: نعم. فضيلة الدكتور أيضا من القضايا المشكلة في هذا الموضوع الدعوة في القرآن الكريم إلى القوة {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ..}[الأنفال:60] غالبا ما يتصور الناس عندما يقرؤون هذه الآية أن القوة هي القوة العسكرية فقط، يعني هل فعلا هي القوة العسكرية أم أن هناك أشكالا أخرى من القوة يجب أن ينتبه لها الناس؟
سلمان العودة: ما في شك، يعني أقول القوة هنا مفهوم عام {..مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ..} فيشمل كل أنماط وألوان القوة، طبعا من ذلك قوة السلاح ولهذا قال {..وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ..}[الأنفال:60] وهذا ينطبق تماما على ما يسمى بقوة الردع، السلاح الذي قد لا يستخدم أحيانا ولكنه قد يستخدم للردع ويعني إحداث نوع من توازن القوى، ولكن أيضا قوة المعرفة، هذه من أعظم المعاني المهمة وهنا في القرآن الكريم الله تعالى قال {..وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..}[الحجرات:13] تعارفوا يعني تتبادلوا المعرفة فيما بينكم، ليس معناه فقط أنه أعرفك وتعرفني وإنما تتعارفوا أنه أجد أن عندك أشياء كثيرة أتعرف عليها أستفيدها وأيضا التعارف بمعنى المعروف بمعنى أن أقدم لك المعروف وأنت تقدم لي المعروف هذا للفرد وللجماعة وللمجتمعات، إذاً الإسلام ممكن أن يقيم نظاما متوازنا مع الآخرين في أن يقدم لهم ويستفيد مما عندهم، فالقوة هنا يعني لو لاحظنا تاريخيا -فعلا كلامك صحيح- يعني الكثير من شبابنا مسكونون بهاجس القوة العسكرية، أنا مرة سميت هذا المفهوم عسكرة الحياة، كأن الحياة تحولت عندنا إلى ثكنة عسكرية، فإذا تحدثنا عن تاريخنا تجد أنه يستحضر خالد بن الوليد صلاح الدين الأيوبي وكذلك القاعدة العسكريين، لكن أن يكون أمنيتي أن يكون ولدي مثل أبو بكر الصديق لم يكن قائدا عسكريا، حتى ما كان قويا في جسمه، كان ضعيف الجسم، أو أن يكون مثل ابن عباس في علمه أو الشافعي أو أحمد أو مالك أو يكون يعني مثل ابن الهيثم أو ابن النفيس أو المبدعين أو المخترعين أو المكتشفين، هذه المعاني العظيمة وكذلك حينما نتكلم عن أعدائنا، أنا أقول الآن أمام القوة الصهيونية يعني القوة الصهيونية عندهم أسلحة نووية ولكن ما استخدموها، نعم هي قوة ردع الصهاينة استخدموا القوة في لبنان واستخدموا القوة في غزة واستخدموا القوة أكثر من مرة، والغالب أن القوة يعني لا تؤتي أكلها والضعيف ربما يجد سبيله إلى امتلاك قدر من القوة يدافع به عن نفسه، فلذلك أيضا الآخرون الدول الأوروبية الولايات المتحدة الأميركية هل التفوق علينا هنا فقط بامتلاك السلاح النووي أو بامتلاك الدبابة أو أننا نجد أن هناك التفوق الحضاري؟ النظام السياسي عندهم متفوق يحفظ حقوق الفرد ويسمح للفرد بالمشاركة ويعطي الفرد أهمية انتمائه إلى هذا المجتمع وحفاظه عليه، النظام الإداري الشفاف البعيد عن الفساد والبعيد عن المحسوبيات، القوة المعرفية الآن، ما يسمى بقوة المعرفة اقتصاد المعرفة الآن أكثر من 50% من اقتصاد العالم المتقدم يقوم على أساس المعرفة وثروات الدول لا تقاس بما تملكه من النفط أو المعادن الثمينة وإنما تقاس بما تمتلكه من المعرفة، فأين هذه القوة المعرفية التي نسعى إليها؟ تأثير العالم علينا الآن أنا أقول لو فكرت قليلا أن تأثير السيارة، تأثير الجوال، تأثير التلفاز، تأثير الإذاعة، تأثير وسائل كثيرة جدا علينا، اللاب توب تأثيرها يفوق تأثير آلاف القنابل النووية وآلاف الأسلحة ما يسمى اليوم بالقوة الناعمة الإعلام، تخيل أن آلافا مؤلفة بل ملايين من شبابنا وبناتنا ومراهقينا بل وكبارنا هم في بيوتهم الآن لا يكثرون من الخروج ولا هناك علاقات مع الجيران، هم متسمرون أمام الشاشة يشاهدون أفلاما شرقية وأفلاما غريبة ويتابعونها بدقة وهذه يعني تعيد تشكيلهم من جديد، تشكيل عقولهم وأفكارهم وسلوكهم بل حتى ملابسهم وحتى حركاتهم وحتى لغتهم وطريقتهم في التعاطي مع الأشياء، فأعتقد أنه هنا يعني هذا التأثير الهائل وهذه التغيرات توجب فعلا أن نعود إلى القرآن الكريم ونستلهم القرآن الكريم في أن علينا أن ننافس في مجالات الحياة وأن ندرك أن الحياة ليست معركة عسكرية.
عثمان عثمان: فضيلة | |
|
امير السكون *****
المشاركات : 2648
العمـر : 41
المزاج :
الدولة :
المهنة :
الهواية :
التسجيل : 04/07/2010
النقاط : 2650
التقييم : 4
| موضوع: رد: القرآن للحياة - برنامج الشريعة والحياة الجمعة أغسطس 20, 2010 4:24 pm | |
| | |
|
عاشقة الزهور *****
المشاركات : 75737
العمـر : 41
المزاج :
الدولة :
المهنة :
الهواية :
التسجيل : 09/03/2009
النقاط : 101796
التقييم : 846
| موضوع: رد: القرآن للحياة - برنامج الشريعة والحياة السبت أغسطس 21, 2010 1:10 pm | |
| | |
|