رائع عبقري أنت أيها الطفل

رائع عبقري أنت
أيها الطفل

لم يكن يُحزن سارة ذات السنوات الخمس أكثر من أن تراني منشغلا عنها, منهمكا بين لوحة المفاتيح وشاشة أنقل فيها الصفحات بين محركات البحث والبرامج والمنتديات ثم أعود لأكتب وأطرطق على لوحة المفاتيح . وقد عبرت عن حزنها وغضبها الطفوليين أكثر من مرة بأن سبقتني إلى ذلك الكرسي الدوار وجلست وقد أبعدته قليلا عن الطاولة المقابلة وراحت تديره بقدميها أو تطلب ممن حولها أن يديرها حتى تدور الدنيا من حولها، ثم تهدأ قليلا وتشغل الحاسب الآلي ثم تفتح أحد برامج الكتابة وتبدأ تنقل أصابعها بين الأزرار وتعزف عليها سيمفونية عجيبة لا تكاد تجد لنفسها نهاية .. كل ذلك حالما تلحظ رغبتي بالتوجه إلى هذا الكرسي من أجل أن تمنعني من الجلوس عليه منشغلا عنها الساعات الطويلة .

كان انشغالي في الأيام الثلاثة الأخيرة قد ازداد على غير المعتاد, فحالما كنت أعود من خارج المنزل تراني أتعجل تشغيل الحاسب لاستدراك ما بعض فات, وقد اضطرتني طبيعة الموضوعات المطروحة من جمع مادة كبيرة قمت من خلالها بصياغة موضوعات ثلاثة طويلة , نال مني بسببها تعب وإنهاك شديدين وأنا أجمع مادتها وأسبك بنائها وأعيد ترتيب فكرها وأخذ مني الجهد كل مأخذ.
ما إن انتهيت من كتابتها حتى شعرت أنني وضعت عن كاهلي ثقلا لست أدري كيف استطعت حمله على مدار أيام ثلاثة , وانتابني شعور بأنني أنجزت إنجازا مهماً أرضاني وطمأنني , ولم يبق إلى أن أشارك قارئي الكريم به ليشركني بدوره برضاه عما يقرأ فأزداد به اطمئنانا.

وضعت اللمسات الأخيرة على الموضوعات وأعدت قراءتها وتنقيحها وأضفت كلمة هنا وحذفت أخرى هناك حتى اكتملت عن آخرها, ولم يبق إلا أن أتوجّها بأن أضع أولها في الندوة الثقافية حيث كان يخصها .. ولم أجد حاجة إلى حفظ الموضوعات في أرشيفي على الجهاز لأنني كنت عازما على نشرها مهما طال الوقت , فآثرت استعجال النشر على الانشغال بالحفظ.

عندما فاجأني التيار الكهربي بالانقطاع لأقل من طرفة عين , كانت كافية لأرى الحاسوب يعيد التشغيل من تلقاء نفسه , وكانت أكثر من كافية لكي أتأكد من ضياع جهد وتعب أيام ثلاثة بأقل من طرفة العين هذه, خاصة أنني برمجت الجهاز على أن يقوم من تلقائه بتنظيف كل شيء مهما كان مع إعادة التشغيل هذه.عندها بدأت أستعيد بعضا من حقيقة ضياع كل شيء عملته لأضرب بباطن كفي على جبهتي بحركة لا إرادية ولأضرب بعدها بمجمع يدي على الطاولة ضربة ظنت الصغيرة معها أنني أمازحها, فأعادت الحركة كاملة بأن ضربت على رأسها ثم على الطاولة وهي تردد مثلي تماما : ضاع كل شي , ولكي أطمئن حينها أنني لست في حلم أعدت المشهد مرة أخرى فضربت بباطن كفي على جبهتي ثم ضربت بمجمع يدي على الطاولة بما أوتيت من قوة وأنا أردد بحالة أقرب منها إلى حالة من الهستيريا : ضاع كل شي .. ضاع كل شيء . والصغيرة أمامي تعيد المشهد مرة بعد مرة بالطريقة ذاتها وبالحركات والكلمات ذاتها .
عندها فقط تأكدت أن كل شيء جمعته وكتبته ورتبته قد ضاع حقا ومن غير رجعة .
عندما لاحظت سارة بعبقرية الطفل أن المشهد أبعد ما يكون عن التمثيل أو المداعبة, راحت تعيد المشهد هذه المرة وهي تعقد بين حاجبيها بعد أن فعلتها المرات السابقة ضاحكة لاعبة , ولم تكن هذه المرة قطبت حاجبيها تمثيلا,بل لأنها لاحظت أنني مأخوذ إلى أبعد الحدود بالذي حصل وأنني أتمتم بكلمات غاضبة استشفت من ورائها مقدار الأسى والأسف واللوعة التي انتابتني من غير أن تفهم أي شيء مما حصل , كل الذي فهمته أن الحاسب الآلي يعيد التشغيل وأنني صرخت أكثر من مرة : ضاع كل شيء , حتى من غير أن تعرف ماذا يعني أن يضيع كل شيء.

ظنت أنها ببعض من خفة دم الطفل تستطيع أن تخرجني من هذه الحالة المفاجئة التي انتابتني فتغيرت لها ملامح وجهي واعتلته الصفرة والاكفهرار, عندها اقتربت من الطاولة وأعادت المشهد السابق مرة أخرى وضربت بكفها هذه المرة على طاولتي وهي تتصنع الضحك في محاولة إظهار أن الأمر لا يستحق كل هذا
, ثم أتبعتها بهزة خفيفة أقرب منها إلى محاولة طفولية للرقص, ربما تستطيع معها أن تخرجني مما أنا به , فلاحظت أنني لم أزدد عنها إلا ذهولا وتجمدا .
لم تمض نصف ساعة من الزمن حتى اجتمع منها على طاولتي أكثر من عشرين نوع من الهدايا أغلبها من الرسوم التي رسمتها في الحال في محاولة منها لإرضائي , كانت تأتي بالهدية ثم تقوم بشرح واف حولها وهي تبدي الحزن لحزني وتردد طالبة مني ألا أحزن ,ولا تلبت أن تنطلق باحثة عن هدية أخرى لتعيد الكرة مرة أخرى وتتبعها ببعض الحركات الإضافية في محاولة منها إجباري على الضحك معها وكان أجمل هذه الهدايا صورة ليدين تمتدان إلى لوحة المفاتيح ربما تعيناني على إعادة كتابة ما ضاع.
لم تتوقف عن تكرار محاولاتها وهداياها السريعة ونكاتها الطفولية حتى استطاعت أن تعيد البسمة إلي والتي جهدت معها أن تطمئن إلى أنها بسمة حقيقية غير مصطنعة ولا متكلفة, وأنها استطاعت أن تذهب عني بعض آثار الحزن الذي نزل علي نزول الصاعقة.
عندما غادرت مكان وقوفها أمام طاولتي بعد أن اطمأنت إلى أنها أحسنت المهمة وأعادت إلي البسمة التي سرقها انقطاع التيار مني , رفعت رأسها فخورة بفعلها وراحت تخطر بمشية المنتصر ثم أتبعتها برقصة خفيفة . عندها لم أتمالك نفسي رغم ما أنا عليه من أن أمد يدي بسرعة خاطفة إلى حيث تقف لأشدها إلى ذراعي وأحتضنها إلى صدري ويدي تشدانها إلي وأنا أقاوم عيني من دمعتين كادتا تهربان منهما وأنا أشاهد بأم عيني أعظم عبقري في الدنيا لم يكمل بعد من العمر السنوات الخمس .عندها فقط علمت علم اليقين أن كل الذي ضاع لا يضيع حقا طالما أن سارة لا تزال بقربي.
رائع أنت وعبقري أيها الطفل ..
لا نستطيع رغم تقدمنا عليك بالعمر أن نفهم حقيقة هذه الروعة والعبقرية .. ومن يدري.. ربما لأننا تقدمناك بالعمر لا نستطيع أن نفهم منك هذه الروعة والعبقرية حق فهمها .
-----

كلمات جميلة ومعبرة
رائع عبقري أنت أيها الطفل 70454

اسعدني مرورك العطر عشوووووووق

uuu:

» 〖턠╚▒█╗☆ண╰㋞يا أيها الأيام㋞╮ண☆╚█▒╗턠
» سؤال بس يحتاج واحد عبقري
» لمــــاذا أيها القلب ؟؟؟!!!!!!
» بالوتيلي : انا عبقري ومستوى ذكائي يفوق الانسان العادي
» أيها الليل