حياة أقرب ما تكون إلى ذكريات الأجداد قبل أكثر من مئة عام هي ذاتها تتكرر في "عزبة عبد ربه" شرق بلدة جباليا شمال قطاع غزة بعد أن هدم الاحتلال الإسرائيلي بيوتهم في حرب غزة، ليعيدهم بذلك إلى الحياة البدائية حيث لا باب يحميهم من القوارض والفئران وكلاب الليل، ولا سقف يأويهم من مطر الشتاء، أو حرارة الصيف ولا نافذة تحمي أسماعهم من صوت الرعد الذي يرعد قلوب الأطفال ظانين أنها طائرات الاحتلال الإسرائيلي عادت من جديد لتدمير ما تبقى من ركام البيت إن كان قد تبقى منه شيء ..."الفاتح" حلت ضيفة على رائحة دخان ما تبقى من الحطب والبرد، وضيق المكان، وصعوبة العيش فيه.
في بداية الطريق المؤدي إلى "عزبة عبد ربه" كادت مراسلة "الفاتح" تقع أكثر من مرة ، حيث إن الطريق لم تكن ممهدة نتيجة تراكم ما تبقى من ركام المنازل المهدمة، فكانت عملية التنقل والحركة فيها أمراً صعباً للغاية، ومع ذلك كان أطفال هذه المنطقة يسيرون بشكل جيد !! يبدو أن أقدامهم قد اعتادت على ذلك ، خاصة أنهم ما زالوا يعيشون على الوضعية نفسها منذ حرب غزة الأخيرة.
كانت الطفلة "ميس العرة" في مسافة لا تبعد كثيراً عن منزلها فاستوقفتها "الفاتح" وسألتها بابتسامة :
- هل تسكنين مع عائلتك هنا؟؟
فأجابت في ابتسامة بريئة :
- "نعم" "وهذا بيتي"..
كان المنزل عبارة عن ألواح زينكو، وقطع من النايلون تتماسك مع ما تبقى من حجارة الركام.
وكان في داخل المنزل عائلة "العرة" المكونة من 6 أفراد يعيشون حياة بسيطة جداً رغم أن العصر الذي يعيشون فيه هو عصر التكنولوجيا والتطور.
أشارت "ميس" إلى غرف منزلها الذي حاولت صنعه من خلال تقسيمها له بواسطة قطع من القماش، أو أجزاء من حصيرة قديمة.. كان كل جزء أصعب في الوصف من الجزء الآخر ، خاصة الحمام الذي لم يوجد له شبيه حتى في أيام الأجداد ... أما المطبخ فهو عبارة عن حنفية صغيرة ، وبجوارها أطباق وأشياء بسيطة... أما الغرف فهي صعبة الوصف لأنها لا تمت لكلمة غرفة بأي صلة ، فهي لا تحتوي إلا على ملابس توضع فوق بعضها ، وبعض الفرشات القديمة.
قالت الطفلة ميس (تدرس في الصف السادس الابتدائي) وهي تنظر إلى ما تسميه غرفة:
- "أتمنى أن أكتب على طاولة ..الاحتلال هدم بيتي وكسر طاولتي ..بدي لعبة ..بدي أعيش مثل أطفال العالم".
وتابعت:
- " أتمنى كل الحاجات إلي بدي إياها تتوفر ويصير إلنا بيت..حسبنا الله ونعم الوكيل على الاحتلال الإسرائيلي هدم بيتي".
ورغم الظروف الصعبة التي تحيط بها إلا أنها تواصل تعليمها وإن كان معدلها قد انخفض بعض الشيء عن السابق بسبب ما حدث لمنزلها. وذكرت بابتسامة تحمل الأمل رغم الألم :
- "أتمنى أصبح صحفية علشان أكتب عن كل شيء في غزة".
"اللهم يا عزيز يا مقتدر الطف بنا وارحم ضعفنا"