Arabic'">بسم الله الرحمن الرحيم
إخوتي وأخواتي الأعزاء : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخترت لكم هذه القصة تحمل عنوان ( أيهما أفضل ) عساها تعجبكم ...
قال محمد بن الهاشمي :
كانت أم جعفر بن يحيى البرمكي تزور أمي وكانت لبيبة من النساء حازمة فصيحة برزة يعجبني أن أجدها عند أمي فأستكثر من حديثها فقلت لها يوماً : يا أم جعفر إن بعض الناس يفضل جعفر على الفضل وبعضهم يفضل الفضل على جعفر فأخبريني فقالت : ما زلنا نعرف الفضل للفضل فقلت إن أكثر الناس على خلاف هذا فقالت : سأحدثك وأقضي أنت – وكان ذلك الذي أردت منها .. قالت : كانا يوماً يلعبان في داري فدخل أبوهما فدعا بالغداء وأحضرهما فطعما معه ثم آنسهما بحديثه وقال لهما أتلعبان بالشطرنج ؟ فقال جعفر – وكان أجرأهما - نعم ! قال : فهل لاعبت أخاك بها ؟ قال جعفر لا قال فالعبا بها بين يديَّ لأرى لمن الغَلًب فقال جعفر: نعم وكان الفضل أبصر منه بها فجئ بالشطرنج فصُفَّت بينهما وأقبل عليهما جعفر وأعرض عنها الفضل .
فقال له أبوه : مالك لا تلاعب أخاك ؟ فقال : لا أحب ذلك فقال جعفر أنه يرى أنه أعلم بها مني فيأنفُ من ملاعبتي وأنا ألاعبه مخاطرة .
فقال الفضل : لا أفعل فقال أبوه : لاعبه وأنا معك فقال جعفر رضيت وأَبَي الفضل : واستعفى أباه فأعفاه .
ثم قالت لي : قد حدثت فأقض فقلت : للفضل بالفضل على أخيه فقالت : لو عَلِمتُ أنك لا تُحسن القضاء لما حكَّمتُك أفلا ترى أن جعفراً قد سقط أربع سقطات تنَّزه الفضل عنهن فسقط حين إعترف على نفسه بأنه يلعب بالشطرنج وكان أبوه صاحب جد وسقط في التزام ملاعبة أخيه وإظهار الشهوة لغلَبة والتعَرُّض لغَصبهِ وسقط في طلب المقامرة وإظهار الحرص على مال أخيه والرابعة قاسمة الظهر حين قال أبوه لأخيه : لاعبه وأنا معك فقال أخوه : لا وقال هو : نعم فناصب صفاً فيه أبوه وأخوه .
فقلت : أحسنت والله وإنك لأقضى من الشعبي ثم قلت لها عزمت عليك أخبريني : هل خفى مثل هذا على جعفر وقد فَطِنَ له أخوه ؟ فقالت لولا العَزمة لما أخبرتُك إن أباهما لما خرج فقلت للفضل خاليةً به : ما منعك من إدخال السرور على أبيك بملاعبة أخيك ؟ فقال : أمران : أحدهما أني لو لاعبته لغلبته فأخجلته والثاني قول أبي : لاعبه وأنا معك فما يسرني أن يكون أبي معي على أخي .. ثم خلوت بجعفر فقلت له : يسأل أبوك عن اللعب بالشطرنج فيصمت أخوك وتعترف وأبوك صاحب جِدٍ !! فقال : إني سمعت أبي يقول : نِعْمَ لَهْوُ البالِ المكدود وقد علم ما نلقاه من كد التعلم والتأدب ولم أكن آمن أن يكون بلَغه أنَّا نلعب بها ولا أن يُبادر أخي فيُنكر فبادرت بالإقرار إشفاقاً على نفسي وعليه وقلت : إن كان توبيخ فديته من المواجهة به .
فقلت له : يا بني فلم تقول ألاعبه مخاطرة ؟ كأنك تقامر أخاك وتستكثر ماله ! فقال : كلا ولكنه يستحسن الدواة التي وهبها لي أمير المؤمنين فعرضتها عليه فأبى قبولها وطمِعتُ أن يلاعبني فأخاطره عليها وهو يغلبني فتطيب نفسه بأخذها .
فقلت لها : يا أُماه ما كانت هذه الدواة ؟ فقالت : أن جعفراً دخل على أمير المؤمنين فرأى بين يديه دواةً من العقيق الأحمر محلاةً بالياقوت الأزرق والأصفر ..فرآه ينظر إليها فوهبها له فقلت : إيه .
فقالت : ثم قلت لجعفر هبك اعتذرت بما سمعتُ فما عزرك من الرضا بمناصة أبيك حين قال : لاعبه وأنا معك فقلت أنت نعم وقال هو لا ؟ فقال : عرفت أنه غالبني ولو فَتَر لعبه مع ماله من الشرف والسرور بتحيز أبيه إليه .
قال : محمد بن عبد الرحمن : بَخٍ بَخٍ هذه والله السيادة ثم قلت لها :يا أُماه أكان منهما من بلغ الحلم ؟ فقالت : يابني أين يُذهبُ بك ؟ أخبرك عن صبيين يلعبان فتقول : أكان منهما من بلغ الحلم ! لقد كنا ننهي الصبي – إذا بلغ العشر وحضر من يستحى منه – أن يبتسم ! .
ــــــــــــــــــــــــــــامرأة برزة : كهلة جليلة تبرز للقوم يجلسون إليها ويتحدثون وهي عفيفة .المخاطرة : المراهنة .فناصب : عادى .الشعبي : أحد رجال الفقه والقضاء توفى بالكوفة سنة 105هـ .كده : أجهده وأتعبه .إيه : كلمة إستيادة .يقال بخ بخ : إعجاباً بالشئ وإظهاراً للسرور به .