معاذ بن جبل بن أوس الأنصاري الخزرجي صحابي جليل، أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، وكان أحد الستة الذين حفظوا القرآن في عهد الرسول الكريم. وأعلم الناس بالحلال والحرام، شهد بيعة العقبة وبدراً وكل المشاهد مع رسول الله، وروى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) الكثير من الأحاديث النبوية.
قال عنه رسول الله: "أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل". رواه أحمد.
لزم النبي (صلى الله عليه وسلم) منذ هجرته إلى المدينة المنورة، وكان النبي الكريم يحبه ويقربه إليه حتى أصبح أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه.
أرسله (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن ليعلّم الناس أمور دينهم، وسأله: (بما تحكم يا معاذ؟ أجاب معاذ: بكتاب الله. فقال (صلى الله عليه وسلم): فإن لم تجد؟ أجاب معاذ: فبسنة رسوله الكريم. قال الرسول: فإن لم تجد في سنة رسوله؟ قال معاذ: أجتهد رأيي ولا آلوا..
فتهلل وجه الرسول وقال: "الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يُرضي رسول الله".
وذات صباح لقيه الرسول الكريم فسأله: "كيف أصبحت يا معاذ".؟ قال: "أصبحت مؤمناً حقاً يا رسول الله". قال النبي: (إن لكل حق حقيقة، فما حقيقة إيمانك يا معاذ؟ أجاب معاذ: ما أصبحت صباحاً قط إلا ظننتُ أني لا أُمسي، ولا أمسيت مساءً إلا ظننتُ أني لا أُصبح، ولا خطوتُ خطوة إلا ظننتُ أني لا أتْبِعُها غيرها، وكأني أنظر إلى كل أمّة جاثية تُدْعى إلى كتابها، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون، وأهل النار في النار يُعَذّبون). فقال عليه الصلاة والسلام: (عرفتَ فالزم).
مات النبي الكريم وهو راض عنه.
كان (رضي الله عنه) شاباً جميلاً سمحاً من خيرة شباب قومه، وأزهدهم وأورعهم وأعبدهم لله تعالى، فكان إذا تهجّد من الليل قال: "اللهم قد نامت العيون وغارت النجوم وأنت حي قيوم.. اللهم طلبي للجنة بطيء، وهربي من النار ضعيف، اللهم اجعل لي عندك هدى ترده إليّ يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد".
كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يستشيره ويستعين برأيه وفقهه قائلاً: (لولا معاذ بن جبل لهلك عمر).
مرضه ووفاته
أصيب (رضي الله عنه) بطاعون عمواس، ولما حضرته الوفاة قال: (مرحباً بالموت مرحباً، زائر بعد غياب، وحبيب وفد على شوق) ثم نظر إلى السماء قائلاً: (اللهم إني كنتُ أخافك، لكنني اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحبُ الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار، وجري الأنهار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفساً مؤمنة) ثم فاضت روحه الزكية الطاهرة في السنة الثامنة عشرة من الهجرة النبوية الشريفة، وله من العمر ثلاث وثلاثون سنة.