لقي ابن آوى صديقه الغراب ذات مرة فسأله: هل تعرف العلجوم؟
أجابه الغراب: طبعاً أعرفه. العلجوم طيرٌ مائي يشبه بطةً سوداء الريش كبيرة الحجم، طعامه السمك.
فقال له ابن آوى: إياك أن يكون مثلك مثل العلجوم الذي أراد قتل السرطان فقتل نفسه.
قال الغراب: وكيف كان ذلك؟
قال ابن آوى: كان علجومٌ معششاً في أجمةٍ (أي منطقة فيها أشجارٌ كثيفة ملتفة) مخصبة كثيرة السمك. فعاش هنالك ما عاش، ثم هرم فلم يستطع الصيد، فأصابه جوعٌ وجهد، فالتمس الحيل وقعد مفكراً حزيناً، فرآه سرطانٌ من بعيد. فلما رأى حاله وعرف ما به أتاه فقال له: "مالي أراك كئيباً حزيناً؟". قال العلجوم: "وكيف لا أكتئب وأحزن، وإنما كان معاشي من السمك ههنا، وهن كثير. وإني رأيت اليوم صيادين أتيا مكاننا هذا فقال أحدهما لصاحبه، إن ههنا سمكاً كثيراً أفلا نصيده؟. فقال صاحبه: إني عرفت أمامنا مكاناً فيه سمك أكثر منه. فأنا أحب أن نبدأ به ثم نرجع إلى ما ههنا، فنفنيه، وقد علمت أنهما لو فرغا من هناك رجعا إلينا فلم يدعا في هذه الأجمة سمكةً إلا صاداها، فإذا كان ذلك فإن فيه هلاكي وموتي".
فانطلق السرطان إلى جماعة السمك فأخبرهن بذلك. فأقبلن إلى العلجوم وقلن: "أتيناك لتشير علينا، فإن ذا العقل لا يدع مشاورة عدوه، إذا كان ذا رأي في الأمر الذي يشركه فيه. وأنت ذو رأيٍ، ولك في بقائنا صلاح، فأشر علينا برأيك".
قال العلجوم: "أما مكابرة الصيادين وقتالهما فليسا عندنا ولا نطيقهما، ولا أعلم حيلةً إلا أني قد عرفت مكاناً كثير الماء والخضر، فإن شئتن فانتقلن إليه". فقلن له: "ومن يمن علينا بذلك؟". فقال: "أنا". وجعل يحمل منهن اثنتين في كل يوم، ينطلق بهما إلى بعض التلال فيأكلهما بينما تظن البقية أنه نقلهما إلى ماءٍ تعيشان فيه.
ثم إن السرطان قال له: "إني قد أشفقت مما حذرتنا، فلو ذهبت بي أنا أيضاً". فاحتمله حتى دنا من المكان الذي كان يأكل السمكات فيه. فلما بصر السرطان بعظامهن مجموعة تلوح، عرف أنه هو صاحبهن وأنه يريد به مثلهن. فقال: "إذا لقي المرء عدوه في المواطن التي يعلم أنه هالكٌ فيها، فهو جديرٌ بأن يقاتل كرماً وحفاظاً" فأهوي بكلاليبه على عنق العلجوم فعصره، فوقع إلى الأرض ميتاً.
ورجع السرطان إلى السمك فأخبرهن.
وإنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أن بعض الحيل مدمر على صاحبه، مهلكٌ له.