من منا لم ير جدولا صغيرا من دمه
يسيل على يده أو قدمه ؟؟
من منا لم يجرح يده أو إصبعه بسكين المطبخ
أو بمقص أو بزجاج أو بشفرة الحلاقة
أو بأي جسم صلب ؟؟
وقد يكون جرحا بسيطا طفيفا ، ومع هذا يسبب لنا ألما وحرقا , كيف لا وقد تهتّك الجلد
وتمزّقت الأوعية الشعرية
وأصيبت الأنسجة
وحصل النزف
وقد يكون جرحا بليغا عميقا , جراء حادث
أوعملية جراحية أو أي واقعة مؤسفة
فنرى من يضع عمامة من الضمادات
أو يرتدي قميصا من الشاش
ولا يسعنا الا أن نحمد الله
على نجاته وبقائه على قيد الحياة
يوم , يومان , أسبوع , أسبوعان
شهر , شهران , سنة
يندمل الجرح ، ويزول أثره
وتنسى النفس ألمه
الانسان , هذا المخلوق من الطين
المكوّن من لحم ودم وأعصاب
وبواسطة القول أو الفعل
قادر هو أن يكون أحدّ و أقسى من السكين والمقص والزجاج والشفرة
قادر هو أن يحفر بأخيه الانسان جرحا بليغا دون أن يهتك جلده
أو يمزق أوعيته أو يصيب أنسجته أو يسيل دمه
قادر هو أن يخلق نزيفا داخليا من الألم
وأن يرسم شرخا في أعماق النفس
وأن يدمغ وشما من جمر في القلب
عجبي من جرحين :
الأول .. نرى الجرح ولا نرى الألم
والثاني ... نلحظ الألم ولانرى الجرح
ولكن لماذا يبقى الجرح النفسي
- متكمّشا بنا الى أمد طويل ؟؟
- لم يبق يئنّ ويتلوّى داخلنا
كعصفور أصابته بندقية الصياد ؟
- لم نحس بانخسافات في أعماقنا
كلما تجسد أمامنا كموقد من نار ولهب ؟
- لم بعض الجراح لاتزول
ونبقى سجناء لها بحكم مؤبد ؟؟
- ان الذي زعم أن الزمن يشفي الجراح
نسي أن يقضي كم يستغرق ذلك ؟؟
- ألا يمكن أن يستغرق العمر كله ؟؟
فأيّ شفاء يا جراح ؟؟
ترى , هل الجرح هو الذي يأبى مفارقة النفس ؟؟
أم نحن الذين نسجن ذاتنا
في زنزانة الجرح الانفرادية ؟؟
مطبّقين على أنفسنا أقسى أنواع التعذيب مستعذبين المكوث وراء قضبانه
المشكلة أن الجرح العميق
يهديه الينا الشخص المحبب والقريب من القلب
لذا يحفر أخدودا يصعب ردمه
إساءة الشخص الغريب أو البعيد أو أذيته لنا كمدة الانتظار
في قاعة الترانزيت
ستنقضي وستنسى
أما أذية الشخص العزيز
فهي رحلة السكين المسافرة في القلب
الحبيب أو الحبيبة , الزوج أو الزوجة
الأم أو الأب , الابن أو الابنة
الأخ أو الأخت , الصديق أو الصديقة
انتبهوا أيها السادة
فأنتم صانعو الجرح البليغ
وأحيانا نحن نؤذي من نحب
أكثر مما نؤذي من نكره
ولكن دون أن ندري
بعض مرهفي الاحساس يؤمنون أن الانسان
لا يموت دفعة واحدة ولكن يموت بالأجزاء
فبكل صدمة أو جرح يموت جزء منه
والبعض الأرهف شعورا
يرى أن الصدمة القوية التي تلقاها من المحب أردت مشاعره بالكامل
كما يقول *********ولاس موراي باتلر
( كثير من شواهد القبور يجب أن تحمل هذه العبارة :
مات في الثلاثين ودفن في الستين )
أما النوع الأخير
فهو الأقوى , هو الذي يثق بأن المرهم الشافي لجرحه هو الايمان المطلق بأن مافات مات
وأن الوقوف على أطلال الجرح , لن يجدي نفعا وعليه قلب الصفحة والبدء بسطر جديد.
ولكن ما حكمة الحياة من وجود الجراح ؟؟
ومتى تعود علينا جراحنا بالفائدة ؟؟
أعتقد عندما لا يدفعنا هذا الجرح للانتقام
بل يدفعنا الى الأمام
عندما يبث هذا الجرح فينا
روح التحدي لتحقيق النجاح
وكثيرا ما يولد النجاح من رحم الجراح
وفي الحياة أمثلة كثيرة لقلوب كسيرة
دفعتها جراحها لترك بصمات في سجلات الزمن
ولكن ألا ترون معي
- أن مقابل كل شخص يجرح هناك شخص يداوي-
وان صادفت من في يده مدية
ستصادف أيضا من بيده ضمادا
- وربما قابلت من ينفث السم
لتسعد بلقاء من يقدم الترياق
للأقدار حكمة لا تستوعبها عقولنا المحدودة
وأخيرا أقول :
لكل جرحه ، جرح خيانة , جرح كرامة
جرح مذلة ، تعددت الجراح والألم واحد
لكن يبقى الوطن الجريح , يحمل أقسى أنواع الجراح وأمرّها ،
فبنزيفه يغرق شعب بكامله
أيها الجرح العربي , تصبح على شفاء