في قديم الزمان كان غراب يطير من مكان إلى آخر يبحث عن مأوىً له، وإذا بنخلة كبيرة شامخة، ذات أغصان وارفة.. نظر إليها الغراب بإعجاب قائلاً:
- ما أجملك أيتها الشجرة!! سيكون هنا منزلي بإذن الله.
ثم أخذ يبني عشه من سعف الشجر، وأقام في منزله الجديد مدة من الزمن هانئاً سعيداً.
وذات يوم وبينما الغراب نائمٌ في عشه الجميل، إذا به يسمع صوتاً غريباً.. مدّ رأسه من العش ونظر فإذا به يرى أفعى كبيرة تحفر الأرض من تحت الشجرة وتتخذه بيتاً لها.
تشاءم الغراب من منظر الأفعى ثم قال في نفسه: "مالي ولها كلٌ في منزله".
ومضت الأيام وأصبح للغراب فراخ يزينون عشه الجميل، وفي فجر كل يوم يترك الغراب صغاره ثم يعود إليهم بالطعام الوفير.
وذات يوم رجع الغراب إلى عشّه فرحاً بالطعام الكثير الذي أحضره لصغاره، وعندما اقترب من العش رآه خرباً ولم يجد صغاره فيه. أخذ يبحث هنا وهناك إلى أن رأى بقية عشه عند بيت الأفعى، وعرف أنها القاتل، فرجع إلى عشّه وهو يصيح ويبكي ويضرب بريشه ما بقي من العش، وقرر أن يعاقب الأفعى ويفقأ عينيها، وهنا تذكر نصيحة أمه:
"احذر يا صغيري التصرف في ساعة الغضب، اهدأ وتروَّ وفكّر قبل أن تندم".
أخذ الغراب يفكر ويفكر إلى أن اهتدى إلى طريقة تخلصه من الأفعى وعدوانيتها.
وفي الصباح الباكر أخذ الغراب يطير ويطير إلى أن رأى بنت السلطان على الشاطئ وهي تجمع حليها وشالها الجميل في صرة، ثم تذهب إلى الماء وتلعب..
هبط الغراب إلى الأرض وخطف الصرة وطار بها، والأميرة الصغيرة تصرخ وتبكي وهي تشير إلى الغراب في السماء.
لحق الجنود بالغراب محاولين الإمساك به، وكان الغراب يتظاهر بأن حمله ثقيل لا يقوى عليه، وأخذ يبطئ في الطيران والجنود خلفه، وطار وطار إلى أن وصل إلى مكان الأفعى، وأخذ ينعق بصوت عالٍ والجنود يتصايحون للإمساك به.
سمعت الأفعى صوت الغراب فأخرجت رأسها بحذر، فأسرع الغراب وألقى الصرة عليها وطار إلى بيته في أعلى الشجرة ينتظر ما يجري.
وصل الجنود إلى حيث رمى الغراب الصرة، وإذا بهم أمام أفعى كبيرة، فأخذوا يضربونها بالعصي والحجارة على رأسها حتى ماتت، ثم أخذوا الصرة وانصرفوا.
نظر الغراب إلى الأفعى وقال بفرح وحزن شديدين:
- هذا جزاء كل ظالم معتد أثيم!!