حين
نقول: "فتاة ملتزمة"؛ فإننا نعني بها: تلك الفتاة التي آمنت بالله ربًّا،
وبالإسلام دينًا، وبمحمد – صلى الله عليه وسلم - نبيًّا ورسولاً، ورضيت
بمنهج الله تعالى وشريعته ودينه دَرْبًا وطريقًا؛ فلم ترضَ بقوانين الشرق
أو الغرب ولا تقاليدهما؛ إنما ارتضت أن تكون أسوتها وقدوتها: النسوة
المؤمنات الصالحات من أمهات المؤمنين، ونساء الصحابة والتابعين.
فهي ليست تلك الفتاة التي أخذت هذا الدين تقليدًا عن آبائها وأجدادها، وهي
تشعر أنه عبء ثقيل تتمنى أن تلقيه عن كاهلها صباحًا أو مساءً، ولا تلك
الفتاة التي أخذت من دينها ظاهره فقط، وغفلت عن باطنه وحقيقته؛ فإن الدين
كلٌّ لا يتجزأ، مظهر ومخبر، سلوك وعقيدة، فلا ينبغي ولايجوز للإنسان أن
يفرط في شيء من دينه، قال تعال(ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ
أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ
عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى
تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ
بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ
ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ
عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة: 85].
تقول إحدى الأخوات: "إن الملتزمة بحاجة ماسة إلى من يأخذ بيدها، ويطور لها
التزامها، وبالذات مع شعورنا بأن هناك من الواعين من يعتقد أن تحجب الفتاة،
وتركها لمشاهدة التلفاز هو النقطة الأخيرة التي تقف عندها.. ليتهم يعلمون
أن معظم الملتزمات يملكن كل شيء إلا الفكر والفهم السليم!".
وإذا كنا نوافق أن كثيرًا من الناس يظنون أن الالتزام ينتهي عند حد الحجاب،
وترك مشاهدة التلفاز، مع أن الصواب أن المسلم أو المسلمة لايزالان في جهاد
وترقٍّ إلى الموت، تصديقًا لقول الله- عز وجل(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى
يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99]، وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا
فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69].
فالالتزام ليس مرحلة يتجاوزها الإنسان إلى غيرها.. كلا، وليس قضية ينتهي
عندها المرء.. لا؛ بل إن الالتزام هو محاولة مستمرة تظل مع الفتى ومع
الفتاة إلى الممات، حتى في ساعة الموت يجاهد الإنسان نفسه، ويعبد ربه:
(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99]. ومادام أن
الروح في الجسد، ومادام أن النَّفَسَ يتردد؛ فأمام الإنسان ألوان وألوان من
المجاهدات والمصابرات والمدافعات؛ يحتاج الرجل إليها، وتحتاج المرأة
إليها.
ولكننا لا نوافق تلك الأخت، على أن معظم الملتزمات يملكن كل شيء إلا الفكر
والفهم السليم، فإن كثيرًا من الأخوات الملتزمات يملكن -بحمد الله- قدرًا
جيدًا من الفهم السليم، ويملكن عقولاً ناضجة، ويملكن مواهب قوية، نسأل الله
لنا ولهن جميعًا الثبات.
المرأة بطبيعتها أكثر تأثرًا بالخير والشر، وأشد تأثرًا بما يحيط بها من
الرجل؛ ولذلك تزداد خطورة وأهمية تلك الأجهزة العامة المسماة بأجهزة
الإعلام. ففي حين تغدو تلك الأجهزة صالحة نقية هادفة؛ فإنها تؤثر على سلوك
المرأة، وتفكيرها، وأخلاقها، وتطبعها بالطابع الخيّر.. وحين يصبح الأمر على
النقيض، وتتحول تلك الأجهزة إلى أدوات للتلبيس والتضليل، وقول الزور،
وشهادة الزور، وتأخذ على عاتقها مهمة تغيير عقليات الناس وأخلاقهم نحو
الأسوأ _ يكون للمرأة في ذلك أوفر النصيب، خاصة مع بقاء المرأة في المنـزل،
ووجود الفراغ الذي تعيشه في أحيان كثيرة، وفي مجتمعات كثيرة.
إن المرأة -في رقعة فسيحة من العالم الإسلامي الممتد المترامي الأطراف-
تعتكف عند هذا الجهاز، وتتناول منه ثقافتها وعلمها وأخلاقها، وتستهديه في
مواقفها وتصرفاتها؛ بل وتأخذ منه حتى معلوماتها عن دينها، من خلال البرامج
الدينية التي تقدَّم -أحيانًا- هنا أو هناك.
إن من الواجب الدعوي المبين: أن تُستخدم الوسائل العلنية والإعلامية في
الدعوة إلى الله، وفي مخاطبة المجتمع -بما في ذلك النساء-؛ فالبرنامج
الإذاعي المسموع، أو الإعلامـي المرئـي، أو الصحفي المقروء، والشريط،
والكتاب، والكتيب، والمحاضرة المتخصصة.. وإيصال تلك الوسائل إلى كل مكان
توجد فيه المرأة: في المدرسة، والجامعة، والسوق، وأماكن التجمعات العامة…
من أهم ما يجب أن يسعى إليه المخلصون.
وكل وسيلة مباحة متاحة ينبغي أن يستخدمها الدعاة للوصول إلى عقول النساء، ومخاطبتهن بآيات الله والحكمة.