المنسيه *****
المشاركات : 6786
العمـر : 35
المزاج :
الدولة :
المهنة :
الهواية :
التسجيل : 19/03/2009
النقاط : 8219
التقييم : 101
أعلـــــــــــن موتي فقد مت حرقا بلوعتــــي
| موضوع: صرخات تحت التراب الإثنين مايو 18, 2009 9:03 pm | |
| فنحت عيني فابتلعني ظلام دامس ، استبد بي شعور قاهر ، وخيل لي أني فقدت بصري رفعت يدي ، لكنها عادت واستقرت في مكانها بخضوع شعرت بضيق واختناق ، تململت وتحسست ما حولي . أصفاد وقيود تأسرني فيما يشبه الموت المكان الذي يحتويني ضيق جدا .. وأنا مكبل فيه كالأموات لماذا لا أكون ميتا ؟ همست لنفسي ، كنت شديد الإعياء حين آويت إلى فراشي ، الناس يتحلقون بي ، والأضواء ترتعش فوق رأسي .. وهاأنذا مدفون تحت الأرض قطرات حارة من سائل ما تنساب على وجهي ، أنياب حادة تلسع أصابع قدمي كوخز الأشواك أجسام صغيرة تحبو تحت قطعة القماش التي تلفني بإحكام لم لا أكون ميتا ؟ همست لنفسي مرة أخرى مددت يدي أمام وجهي ، فارتطمت بمادة هشة ، وعادت إلي بخضوع القطرات الغريبة تحفر وجهي ، والجسيمات الجائعة تنهش أطراف جسمي .. حثالة وتراب ومواد لا أعرفها تتقاطر في عيني الأصفاد والقيود تقبض أنفاسي يا إلهي ! من جرأ أن يدفنني في هذا القبر الأحمق ؟ ألا يمكن أن تكون لعبة سخيفة ، أم أنه الموت البغيض ؟ الهوام والديدان تزحف على صدري ، رائحة خانقة تعبق في أنفي .. خناجر الألم تحفر أعماقي . لا .. لا يمكن أن أكون ميتا لماذا لا أحفر هذا الغطاء المتكابر فوق رأسي ؟ تحركت أصابعي خلال الفسحة التي تفصل بيني وبين الغطاء .. خدشت الطين الرطب الحار ، فسرت في أوصالي رعشة محمومة ، وسمعت صوتا ناعما يرن في أذني : لا تعبث بالطين . أدرت ناظري بيأس مقهور ، وقلت بنبرة مضطربة : أهذا أنت ؟ قال الصوت الناعم : أجل .. أنا التي وهبتك الحياة والحب والموت . ــ : وهل أنا ميت حقا ؟ ــ : إنك على الخيط الفاصل بين الموت والحياة . ــ : وما هذا الجحر اللعين ؟ ـ : إنه جحر الذين يبحثون عن الحرية ــ : ومتى كانت الحرية أصفادا وقيودا ؟ ــ : مقاومة القيود حرية . ــ : وهل الموت حرية ؟ ــ : منحتك الحرية فأضعتها . ــ : بالله عليك عن أية حرية تتحدثين ؟ ــ : حرية الخضوع .. الهتاف ، وقرع الطبول . ــ : الخضوع للأموات ، والحرية للأحياء ــ : وأنت ميت . ــ : سأخرج من قبري .. وأضرم النيران . قهقهت ساخرة ثم قالت : تأبى إلا أن تكون شيطانا . قلت : وأنت رغم سحرك الفتان .. آثمة طاغية ، ما زلت أذكر قولك : الحرية للشيطان . قالت : والطاعة من شيم الملائكة كظمت غيظي ، أحدقت فيها ، لكن نظراتي انحسرت ، وقد اضطرمت بي رغبة مجنونة ، وأنا أتابع تلك القناة الضيقة التي حفرت على صدرها ، وقد خيل لي أن حريتي تتوقف حين تنحسر تلك القناة فتنبلج على ضفتيها آثام الحياة بأبهى مفاتنها . عاهرة ……. صرخت دون ما وعي.. أنت لا تبحثين عن ملائكة ، بل عن كلاب كلاب تحسن الطاعة ، وتحسن الفتك والنباح . رمقتني بنظرة عابثة وهي تقول : أنت شيطان بائس ، تحلم أن تكون نبيا ، لكنك في أرقى الحالات لا تحسن أن تكون أكثر من نصف ملحد . ــ : تبا لك .. إن الأنبياء أكثر الناس شقاء ، وأنا لا أطمع في شقاء أكثر مما أنا فيه . ــ : زنديق مكابر .. أراهن أنك تعشق الشقاء. ــ : بل الشقاء هو الذي يعشقني . ــ : لم لا تنفضه عن كاهلك وتمضي حيث النعيم ؟ ــ : والجياع من لهم غيري ؟ ضحكت كأنها تهزأ ، ثم تداركت : الجياع ؟ ومن دفنك هنا غير الجياع ؟ ــ : كاذبة .. لم يفعل بي ذلك إلا الكلاب . ــ : والجياع ماذا فعلو لك ؟ ــ : مغلوب على أمرهم ــ : أنت أحمق ، لا تقرأ مطاوي النفوس ، هؤلاء الجياع لا يرون فيك إلا شيطانا يثير الفتن ، ولو عدت إليهم لصوبوا نحوك السهام ، وصلبوك على قارعة الطريق . مذ رحلت وهم يصبون عليك جامّ غضبهم ، ويقدمون الولاء للكلاب . حشرجة الموت تفتك بي ، ويدي تنسدل بجواري ساكنة مهزومة ، ظلام دامس يغلف بصري .. رمال قذرة تعبث بعيوني .. أبحث عمن يواسيني على عتبات الموت . أين أنت يا جلادي ؟ هربت مني الأشياء فلم يبق لي سوى أصفادي وذاكرتي . أذكر يوم ‘فتحت أبواب المدينة للكلاب .. جفت المياه ، وأنشب الجوع أنيابه . لكن الفزع دفع الناس إلى الهتاف ودق الطبول . طافت بضحكتها الجموع الحاشدة ، ثم قالت : يسرني أن أصغي إليكم ؟ قفزت من بينهم وقلت : نريد الخبز والحرية . ابتسمت بعذوبة وقالت : بل الخبز أو الحرية . قلت : نريد الحرية . رد القوم بصوت واحد : الحرية .. الحرية . قالت وهي تدير ظهرها وتمضي : لكم ذلك . لم تمض إلا لحظات حتى تدافعت الكلاب الهائجة ، فالتحمت بالجموع الحاشدة . كانت تفتك بالأطفال والنسوة والشيوخ ، تراجع القوم وقد ألجمهم الذعر والفزع . صرخت : أيها الناس ، لا بد أن تدفعوا تمن الحرية اصبروا ، فالكلاب لن تكسب الجولة . سوف ترحل . وحينذاك يكون الخبز لكم دون منازع . صاح رجل بالجموع : يا قوم : تريثوا ، فالكلاب لن تؤذيكم ، سوف تمضي في حال سبيلها و‘تفتح لكم أبواب المدينة . لكن الكلاب اشتد سعارها ، والجموع باتت تخشى سوء العاقبة . ــ : أيها الحمقى .. سوف تخسرون الحرية والخبز . هتف أحدهم ــ: : نريد الخبز ، ولا شيء سوى ذلك .. قال آخر تقهقر الناس ، وانفضت الحشود . صرخت فيهم : أيها الجياع : تريثوا .. سآتيكم بالخبز ، همت على وجهي . على أبواب المدينة بعت قميصي وحذائي ، ابتعت كثيرا من الخبز ، عدت فألقمت الأفواه الجائعة . هتفوا لي . صحت فيهم : لا أطمع في الهتاف . أريد أن تتمسكوا بالحرية وأن تصبروا . خمد جوعهم فدبّت الحياة في عروقهم ، هتفوا بصوت واحد : لن نتخلى عن الحرية . تدافعوا كالطوفان ، وعلى أبواب المدينة برزت لهم الكلاب . كانت هائجة مائجة . نبحت : أيها الأوغاد : ماذا حلّ بكم ؟ قالوا بصوت واحد : نريد الحرية ؟ ‘فتحت أبواب المدينة . تدافعت الكلاب من كل صوب . تخطفت بقايا الخبز من أفواههم ، أعملت الأنياب في جلودهم ، نزفت الدماء ، فدبّ فيهم الوهن والضعف . قذفوني بنظرات عاتبة : أنت السبب . لعن الله … حاولت أن أقول شيئا ، لكني لاحظت الجموع تتضاءل ، والكلاب تطغى ، بل خيل لي أن الناس باتوا يخلعون ثيابهم ، ويرتدون جلود الكلاب . انفض القوم من حولي ، وبرزت لي من ضباب هزيمتي . عيناها تفترسني ، ومضات حب آثم تجذبني ، قالت : اتبعني قلت : أحبك ، كم أنت رائعة ، لكنك لا ترحمين . قالت : بل أنت المكابر ، لم أطلب منك سوى أن تكون كلبا ، فأهبك نفسي . ــ : أفضّل أن أكون صرصارا على أن أكون كلبا . ــ : أيها الأحمق ، لن تكون كلبا عاديا ، بل سيدهم . ــ : لا أطلب السيادة ، بل الحرية ، حرية الجياع . صرخت بالكلاب : خذوه .. قذفوا بي على عتبة بيتي وأنا أعاني لهاث الموت ، وخيط الرجاء انقطعت خيوط الذاكرة ، فعاد إلي قبري ، أشعر بضيق واختناق حتى الموت . حركت يدي وطفقت أحفر الغطاء الطيني . قطرات السائل الحار تنهمر على وجهي ، الحشرات والديدان تنهش شرائح لحمي ، الركام والتراب يتهاوى . شعرت بلزوجة تسري في عظامي ، ورائحة نتنة تفغم أنفي . أظافري الممزقة تعبث بالغطاء . والطين ينشق بصعوبة . صممت أن أمضي في المقارعة حتى الرمق الأخير . من يدري ؟ فربما أزحت هذا الغطاء قبل أن تنفذ روحي . نبضات الحياة تخبو ، والضيق يفتك بي ، لكني مضيت أحفر على غير هدى . كميات هائلة من التراب تنهال على رأسي . الحفرة تضيق من حولي لكنها تمتد إلى الأعلى . تململت ورفعت رأسي بحذر ، فشعرت براحة غامرة ، رغم أن نصفي الأسفل ما زال مدفونا في الطين . الغطاء يتمزق ، ورأسي تترنح في ظلمة تكاد أن تخلو من الهواء ، لكن الخدر ينداح عني قليلا شعرت بتيار بارد يلفح وجهي . مددت يدي بحرية ، وحركت رأسي خلال الفجوة الضيقة ، ثم سحبت نصفي الأسفل من الركام والأنقاض . تنفست الصعداء ، وحركت جفني . لكني لم أشاهد شيئا . رفعت رأسي إلى الأعلى ، فلمحت شعاع النجوم يخفق في كبد السماء ، أدركت أني تأخرت وأن الليل قد هبط مرة أخرى .——————————————————————————–
| |
|
مس دلع *****
المشاركات : 3823
العمـر : 35
المزاج :
الدولة :
المهنة :
الهواية :
التسجيل : 11/10/2008
النقاط : 4680
التقييم : 60
| موضوع: رد: صرخات تحت التراب الثلاثاء مايو 19, 2009 12:23 am | |
| صرخه عظيمه فعلا موضوع يجذب الانتباه بطريقه طرحه التشويقيهـ الف شكر لكِ غالتيي لكِ مني كل التقدير | |
|
المنسيه *****
المشاركات : 6786
العمـر : 35
المزاج :
الدولة :
المهنة :
الهواية :
التسجيل : 19/03/2009
النقاط : 8219
التقييم : 101
أعلـــــــــــن موتي فقد مت حرقا بلوعتــــي
| موضوع: رد: صرخات تحت التراب الثلاثاء مايو 19, 2009 1:46 pm | |
| اشكر مرورك المتميز دائما لك مني حبي واحترامي | |
|
FaTeNa *****
المشاركات : 4618
العمـر : 37
تعاليق : مشرفة سابقة لمجلة المنتدى
الدولة :
المهنة :
الهواية :
التسجيل : 10/10/2008
النقاط : 2605
التقييم : 127
| موضوع: رد: صرخات تحت التراب الثلاثاء مايو 19, 2009 9:26 pm | |
| طرح مميزحمل من المعاني الكثير لكِ كل شكري واحترامي دمتي متالقة | |
|
المنسيه *****
المشاركات : 6786
العمـر : 35
المزاج :
الدولة :
المهنة :
الهواية :
التسجيل : 19/03/2009
النقاط : 8219
التقييم : 101
أعلـــــــــــن موتي فقد مت حرقا بلوعتــــي
| موضوع: رد: صرخات تحت التراب الأربعاء مايو 20, 2009 6:13 pm | |
| اشكر مرورك الذي يسعدني كثيراااااااا كل الحب والود فتووون | |
|
اسرار العيون *****
المشاركات : 13668
العمـر : 46
المهنة :
الهواية :
التسجيل : 25/11/2008
النقاط : 8483
التقييم : 202
| موضوع: رد: صرخات تحت التراب الجمعة مايو 22, 2009 8:50 pm | |
| يسلمو كتير على تميزك الدائم غاليتي كل الحب والود اقدمه لروحك | |
|
المنسيه *****
المشاركات : 6786
العمـر : 35
المزاج :
الدولة :
المهنة :
الهواية :
التسجيل : 19/03/2009
النقاط : 8219
التقييم : 101
أعلـــــــــــن موتي فقد مت حرقا بلوعتــــي
| موضوع: رد: صرخات تحت التراب الأحد مايو 24, 2009 9:46 am | |
| اشكر مرورك اسرار حبي وودي لروحك | |
|