ليتني أعود صفحة بيضاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليتني اعود صفحة بيضاء
للكاتبة : نوف الحزامي .

.
.
.
.
.
.

تبدأ الجروح كبيــرهـ ..داميــه ..
ثم تصغر.. تجــف..
تلتحــم..
لكـن يبقــى مكانها بعض الألــم ..
وتبــقى آثارهـا مهما مر الزمــن ..
مكان بلا جرح ..ليــس مثل مكان
جُرح ..
حتماً ليســـوا سواء ..
إنها الحقيقه مهما حاولنــا تجاهلهــا ..
كنت أقف عند نافذة غرفتــي ..
أطل على إخوتي الصغار وهو يتقافزون في
مسبحهم الجديد الذي اشتروهـ بمناسبة
حلول الصيــف ..
يتقاذفون كراتهم وألعابهم بكل مرح ..
مــاأجمل الطفوله وبراءتها ..
ماأجمل أن تعيــش خفيفاً..دون هـم ..
ولاحـزن ولا مسؤوليـه ..ولاذكريـات مؤلمـه ..
ليتــني أعود طفلـه بريئـه طاهـرهـ ..
ليتـــني أعـود "راويـه " التي كانت طفلـه بليده
مسكيـنه يضحــك عليها بنات أقاربها ويهزأن بها فتجري
خلفهـم بشعرهـا الأعرد المتطاير..

ليتـــني أعـود "راويـه " التي تفرح بالفستان واللعبه ..
وتمسح دموعــها في حضن أمها بعد معاركها مع ابنة عمها كـل مساء ..
ليتني أعود سعيــدهـ مبتهــجـه كما كانت راويـه يوم العيد
في فستانها ذي الحزام العريــض وقبعتــها
وحقيبتهــا المليـــئه بالريالات ..
لم تكن تهتم في ذلك الوقــت بضحكات بنات أعمامها اللاتي كن قد
بدأن في لبس الملابس النسائيـه و وضع شيء من المكياج ..
بينما هي تبتسم في وجوهـ العمات والأعمام منتظــرهـ
(العيــديـه)لتفتــح حقيبتــها كل خمس دقائق
وتعد ماجمعتــه من مــال ..
لا أزال أذكرنظراتهن وهمساتهـن الضاحــكه علــي ..
وقد وضعــت كل منهــن رجلهــا على الأخرى ..
لم كن يستعجلــن أن يصبحــن نســاء ..؟
كنا في نفس العمر تقريبــاً ..
لكنهن يستعجلن أن يكبرن ..
أن يضعن المكياج ..
الفساتيـن الضيقــه ..
التسريـحه الأنثويـه ..
لماذا ..؟
هـل نحـن الآن سعيـدات بعد أن كبرنــا ..؟
مــاأجمـل أيـام الطفـولـه .. وبراءتها ..
ليــتني بقيــت فيهـا أكثر وأكثر ..
ليتــني لم أكبر بهــذهـ السـرعـه ..

حــاولن جذبي إلـى عالمهــن السـري..
الخاص ..
دخلتــه على وجـل ..
- ياخبلــه مايصير تلبسيــن كذا خلاص السنــه الجايـــه بتروحيــن المتوسـط ..
وش هالدلاخـه ؟ للحيــن تلبسيــن ملابـس أطفال ..
متى بتكبريــن..؟
- تعالـــي بس .. لازم نعلمــك وشلون تلبسيــن ..
تكشخيــن .. تتمكيــجيـن ..
تمشيــن بالكعــب .. تسرحيـــن شعرك ..
أصلاً هالـ(كشـه) يبغـى لها قص ..
أنتِ وجديلتــك ..!!
أشيــاء كثيـرهـ تعلمَـتـها ..رغـم أنها لم تكـن تحبهـا ..
لا لشــيء ســوى لأنــهن أقنعنــها أنهــا هــكذا غريبــه ..
مضحـكه .. يجــب أن تصبـح مثلهــن ..
تعلمــت كيف تضـع أحمر شفاهـ لامـع ..
وقصــت شعرهـا ..
- حتــى هذهـ الحواجــب لازم (تنظفينها)
شكلك (غلط) فيها ..
كانت قد سمعت أن هذا حرام ..
لكنها خجلــت وسكتت حيـن رأت كل
الفتيات يؤيــدن ماقالتــه ابنـة عمها ..
- لكن،لحظـه...لكـن ..
- أقـول بس .. تعالـي أزيـــنهم لـك ..
علشــان يصيـر شكل عيـونك أحلـى ..!!
بدأت تمشي بالملقـط على حاجبيهـا ..
كانت تشعــر بالألـم يسـري لقلبهـا ..
كانــت تعرف أن هــذا خطــأ .. لايجــدر بها فعلــه..
أن تعصــي خالقهــا لأجــل شعيـرات ..لكنــهن
جميعـاً أصررن عليـها ..
كلهــن يقمــــن بذلــك ..
أصبــح لها مظهــر آخر ..
لم تعــد تلك الطفلــه ..
أصبحــت شيـئاً آخر ..بقصـة شعرهـا .. ومكياجهــا .. وكعبهـا ..
من عينيـها كانت نظـرة براءهـ تحاول أن تتحدث ..
لكن الحاجبيــن المثلثيـن كانا يسكتــان تلك النظرهـ ليصـرخا بنظـرة دهـاء ..
هـي منهـا بريـئه ..
تحولــت لمســخ ..
طفلــه بمظهــر (..) ..!

- تعالــي وش ذا العبـاة ..وش ذا ( القراوهـ ) ..!!
يحليــلك شكلـك كنـك عجيـز ..
- هـاه ..؟
- ليـش ماتلبسيــن عبايـه شبابيـه ..
شـي حلـو ..
- لا .. مـالـه داعـي ..
لم تكـن تستطيـع أن تقول لا .. أنا أحبـها.. أفتخر بها ..
أحنــت رأسهـا بصمــت .. ابتلعــت ريقهـا واستسلمــت ..
- يالخبلـه أنتِ جسمـك حلـو ..
ليــش تخبينــه بهالخيــمه ..؟ ألبسـي عباة مخصـرهـ ..
شـيء فيــه أنوثـه ..
أصلاً الشباب هالأيام مايبـون إلا اللي كذا ..
ولأول مرهـ تكلمـت ..
- وشدخلنــي بالشباب ..؟
ارتبكـــت ابنــة عمها ..
- آ آ أقصد إذا بغـوا يخطبـون ..
إيـه ..!
وغيــرت العباءه واستبدلتها بأخرى
كانت تسير فيها على استحياء ..
حتى تعودت عليها ..

ثم بدأت مرحلـه جديدهـ ..
- قولي لهم يشترون لك جوال ..
خلاص أنتِ بتروحيـن ثاني متوسط ..
أكبر من هالكبـر ..؟!
- بس..أنـا ما أحتــاجه ..
- من قال ماتحتاجيـنه ..؟
أصلاً شكلك كذا يضحـك في العزايـم والمناسبـات
كل البنات معـهن جوالاتهـن ويتبادلـن البلوتوثات وأنتِ مسيكيـنه
كنك بزر مامعـك جوال ..
وبعـديـن حتـى صديقاتـك إذا بغـوا
يكلمونـك يتصلـون على البيـت
ويرد عليـهم فلان وعـلان لازم معك جوال تتصليـن
على صديقاتـك متــى مابغيــتِ لو نص الليل ..
وعلــى مضض ..
أخذت تطالـب أهلـها بـه .. حتــى كـان لـها ..

كــانت تلاحـظ أن مهـا تمضـي السـاعات وهـي تتحـدث في الجـوال ..
تضـحك .. تهمـس .. تلعب بشعــرها ..
- من كنتِ تكلميــن ..
- مالك دخـل .. هذه أشيـاء ماتعرفيـنها .. توك صغيـرهـ عليها ..
- مها وش تقوليـن ..
- هذا ياحبيبتــي عالـم ثانـي ..مالـك فيـه يالمسكيـنه ..
- شالألغاز ..؟ من تكلميـن ..؟
أخذت تغنـي.. وتدور وشعرها يطير حولها
ثم رمت نفسها على السرير .. وتنهدت ..
- مسكين اللي ماجرب الحب والغرام؟؟
- أي حب وغرام .. مها..!! أنتِ تكلميـن واحد ..؟
- لا .. عشـرهـ ! خخخخ.. إيـه .. أكلـم واحد ..
شفيـك تناظريـني كذا ..؟
- مها حرام عليـك ..!!
- حرام عليك أنتِ دافنـه نفسـك وشبابك ..
عيشي حياتك .. شوفي حولك .. كل البنات يكلمون ..
مابـقى إلا أنتِ بس يالمسكيـنه ..
- لكـن ..
- بلا لكـن .. يا أختي عمرنا ماسمعنا كلام حلـو ..
اسمعي الكلام اللي عمرك ماسمعتيـه .. غير الرسايل والهدايا ..
وجرفتــني بكلامها المعسـول .. لا أعرف كيـف ..
بدأت علـى خجل ..
ثم تعـودت.. مات الحيـاء .. غاب الخوف من اللـه ..
(( كل البنات يكلمون أنتِ بس اللي توك طفلـه ))
طفلـه .. بزر .. نقطـة ضعفـي..
الكلمه التي كنت أكرهها في ذلك الوقـت ..
كنت أريد أن أخلع ثوب الطفولـه ..وكل مايمت إليـه بصلـه ..
بأي وسيلـه .. وبسـرعه..
حتى لو خلعـت معه آخر غلالـة للحيـاء والإيمان ..

مات كل شيء جميـل ..
كلمت أكثر من شاب ..
الكلام المعسول تعودت عليـه ..
الرسائل بدأت تتكرر .. أصبت بالملل ..
الملل من الحياة في خوف وقلق ..
وحيـره ..
ومن التقلب بيـن جوال هذا وماسنجر ذاك ..
العلاقـه لم تكن تصل إلى شيء ..
كلهم يدعون الحب .. ثم ماذا ..؟
يحاولون إقناعي بالخروج معهم ..
ثم ييأسون من رفضي ويذهبون ..كان هذا الجدار
الأخير الذي لم يسقط حمداً للـه..
- طيب اخطبنـي ..!!
ضحكـه طويييلـه ثم ..
- يحليلك..(بزر)..أي خطبـه وأنتِ في ثاني متوسط ..
- ثالث متوسط ..!!
- المهم في المتوسطه ..أي خطبـه ..
أكيد أهلـك ماراح يوافقون ..
- أنت جرب ..
- أقول بلا خرابيـط .. خليـنا كذا أحسـن ..
بلا زواج بلا هـم ..
- لكن مايصير لازم نتزوج ..
- شوفي ياماما .. أنا رجال متعقد من الزواج ..
عندي اللي مكفيـني ..
- طيب ليش ماتطلـق زوجتـك إذا ماتبيـها ..؟
ليش نبقى كذا معلقيـن ..؟
- أووهـ شكلك بتطفشيـني ..
هـكذا كانت تنتهي معظم علاقاتـي ..
بت أعرف طريقتـهم .. أسلوبـهم .. كيف يبدؤون ..
وكيف يكذبون .. ومتى يتغيرون .. ومتى يغضبون ..
ومتى ينهون العلاقـه كما يريدون .. سئمــت تعبـت ..
تعبـت من محاولات أن أخلـع ثوب الطفـولـه ..
تعبـت من الضيـاع .. من البعـد عن اللـه ..

رأيت نفسي في المرآه ..
رأيت نفسي بلا وجـه ..
بلا حياء .. بلا نور إيمان .. بلا راحـه ..
بلا رضـا ..
كنت أرتدي قناعاً قبيحـاً ..
مقززاً ..
أهــذهـ هي الأنوثـه ..؟
تبــاً لها إن كانــت كذلـك..
سأخلـع هـذا القنـاع ..
وهـذا الثوب الذي لا أحـب ..
وليقولـوا طفلـه .. وغبيـه ..
ومسكيـنه ..
سأكون فوقهـم
ولن أخجل هـذه المرهـ ..
سأعود لربي الذي أعرضت عنـه طويلاً ..
سأمرغ جبهتـــي في الأرض
طلباً لرضاهـ هـو ..
ولن أهـــتم بما سسيقولونـه أو يفعلونـه ..

رااااويـه شوفيــني بأغوص ..
ابتســمت وأنــا أنظر إلـى خلـودي
الصغيــر وهـو يستــعرض ..
مــاأروع أن يكـون الإنسـان مرتاحــاً ..
بلا مكابرهـ .. بلا معاصٍ تثقل ظهـرهـ ..
ذهبـت الجروح .. ذهبـت الأحداث ..
لكن آثارها لاتزال باقيـه .. تحرق فؤادي كلما تذكرتها ..
ليتــني أعود طفلـه بريئـه .. ليتنـي أعود صفحــه بيضاء ..

خاطره مميزة

لا حرمنا ابداعاتك

دمتِ بتميز

ودي

شكرا لك زهرة على مرورك العطر

نورتي صفحي بنوقيعك